قامت قبل الاسلام أمم توافرت فيها جميع أسباب القوة فكانت الطريقة التي تتبعها هي ما تمليه عليها القوة الغاشمة لا أصول العدل ولاحدود الحق فكانت تستولي علي المدن فتدك عمر انها وتسلب اموالها وتبيد خضراءها وتولي عليها من ينزل بأصحابها سوء العذاب.. وليست دولة الرومان بعيدة ما فعلته بالبلاد التي استولت عليها ومعاملة أهلها أسوأ المعاملات وكذلك "جنكيز خان" ملك التتار الذي استولي علي الممالك الاسيوية فخذبها واتخذ من اهلها عبيدا وسار أولاده سيرته فكان منهم "هولاكو" الذي زحف علي بغداد فأتي علي كل عامر في طريقها وانزل بأهلها سوء العذاب ولما وصل الي بغداد وحال بينه وبينها نهر دجلة. القي بكتب مكتبتها في النهر. وجعلها قنطرة اجتاز عليها جنوده وداهم الخليقة المستعصم بالله في قصره فأمر بربطه في ذيل حصان والهبه بالسياط فتحطمت عظامه وتمزقت أشلاؤه تلك هي عادة الظالمين اذا دخلوا قرية فاتحين ولقد احسنت ايجازها ملكة سبأ إذ قالت حين أتاها كتاب سليمان كما حكاه الكتاب عنها في قوله تعالي "قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" النمل. فجر الاسلام لما شرع الله الاسلام رفع هذا الظلم عن الانسانية تحقيقا لقوله تعالي وما أرسلناك الا رحمة للعالمين الانبياء آية 7-1 وكان مما وصي الله به في كتابه قوله تعالي : "وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولاتنسي نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الارض ان الله لايحب المفسدين" القصص آية 77 وذكر الله الظالم الغاشم من الناس الذي اعد له شر مآل. وتمد من اخص صفاته الفساد في الارض فقال تعالي "واذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد" ومما شدد الله في التحذير منه علي الخصوص افساد ما تم اصلاحه في العالم لان ارادة الشر فيه اظهر من افساد مالم يتم اصلاحه فقال - تعالي - ولاتفسدوا في الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا ان رحمت الله قريب من المحسنين" الاعراف اية .56 منهج الفاتحين المسلمين ان الفاتحين المسلمين تلقوا هذه التنبيهات الالهية بالاستجابة فتلقوها بقلوب فت لقبول الحق فلما فتحوا اليلاد جعلوا شعارهم الرحمة والعدل والاصلاح في الارض دخلوا سورية وكان منهم حاجة ماسة الي المقومات المادية فلم يسلبوا المقهورين شيئا من أموالهم ولاعتادهم. ولم يرهقوهم بالضرائب الفادحة. وسووا أهل البلاد بأنفسهم أمام القضاء تاركين لهم الحرية في دينانتهم فلم يلبثوا ان قبلوا الاسلام دينا لهم لما أثر فيهم من عدالة اهله واستقامة حكومتهم ثم فتحوا مصر فساروا علي شاكلتهم في معاملة اهلها بالاحسان والرفق فلم يطل مقامهم بينهم حتي دخل المصريون في دين الله افواجا يحدوهم اليه ما رأوه من سماحة المسلمين اليهم. وسع صدورهم ووقوفهم مع الحق ودخلوا بلاد الفرس فوجدوا اهلها شيعا. ومرافقها معطلة. فأسسوا فيها حكومة وحدت بينهم في المعاملة وساوت بينهم في الحقوق. وبسبب تلك المعاملة انقلب جمهورهم مسلمين يدافعون عن الاسلام.. ودخلوا بلاد الاندلس فأقبلوا علي أهلها بوجوههم وقلوبهم ومكنوا لهم في الارض واقتحموا بعد الفرس ممالك التركستان حتي وصلوا الي حدود الصين سائرين علي نهج اسلافهم فدانت لهم البلاد وانتشر فيها الاسلام ولم يقف عند حد اسس المسلمون في هذه الممالك المدارس والمعاهد وجعلوا التعليم للكافة مسلمهم وكافرهم حتي اصبحت مدنهم مراكز للعلم والفضل والفنون والصنائع. شهادة مورخي الفريج هذا ما شهد به مؤرخو الفرنج ودونوه مجمعين عليه فكان كل هذا من اثار الروح العلوي الذي بثه الاسلام في قلوب أهله الذين يعتقدون ان الفضل في ذلك كله للدين الذي جعله الله نورا للناس يهدي من يشاء الي طريقته المثلي.