* يسأل الأستاذ محمد عبدالله من شبين الكوم منوفية: يذهب بعض الناس من بلدتنا لقضاء عمرة رمضان» ثم يتخلفون في السعودية حتي يؤدون فريضة الحج متخفين عن أعين السلطات السعودية. علماً بأن السلطات تقبض علي المتخلفين وترحِّلهم إلي بلادهم مع دفع غرامة مالية لتخلفهم عن ميعاد العودة لبلادهم. ومن هؤلاء من يدعي أن بعض المشايخ قد أفتاه بجواز التخلف حتي قضاء فريضة الحج؟ فما هو الحكم الصحيح؟ ** يجيب الشيخ رسمي عجلان من علماء الأزهر: أن هؤلاء المعتمرين دخلوا السعودية بتأشيرة للعمرة وقوانين تلك البلاد تحتم عليهم مغادرة البلاد بعد الانتهاء من أداء العمرة ولاتسمح لهم بالبقاء بعد انتهاء مدة تأشيرة العمرة وإقامتهم للحج. إذن إقامتهم في هذه الحالة مخالفة لقوانين تلك البلاد. وأهل مكة أعلم بشعابها. فهذه القوانين المتعلقة بضبط أعداد الحجيج سواء من داخل السعودية و من خارجها ما هي إلا لمصلحة المسلمين وتيسير أدائهم للفريضة. وقد يتربت علي زيادة الأعداد الذي قررته السلطات من مضار قد تصل إلي حد الوفاة بسبب الأحام وتكدس الأعداد عن المطلوب كما حدث في عام 2000م وانهار كبري رمي الجمرات بالحجيج ومات وأصيب المئات بكسور وجراح. وهنا قد تعارضت مصلحتان إحداهما قاصرة وهي: "حج من تخلف بعد عمرة رمضان". والأخري مصلحة عموم المسلمين ولا تحصل إلا بضبط أعدادهم. وتقديم المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة. والمصالح التي تفوت بمثل تلك المخالفات جسيمة. وصحة الأبدان مقدمة علي صحة الأديان. قد نص الإمام القرافي في الفروق علي: "تقديم صون الأموال علي الحج. إذا أفرطت الغرامات الباهظة في الطرقات الموصلة للحج". والقاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار" فلا يجوز التخلف للحج لما يسببه من أضرار بالآخرين. ويؤكد ذلك قول الشافعية: إن الحج واجب علي التراخي ولمن استطاع إليه سبيل. ومن جهة أخري: لا يجوز مخالفة أمر الحاكم طالما لم يأمر بمحرم. لأن الله تعالي أوجب طاعتهم في قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر" النساء: 59. وكذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم : "السمع والطاعة علي المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية. فلا سمع ولا طاعة" أخرجه الستة عن ابن عمر. كما أن طاعة أولي الأمر سبب لاجتماع الناس وانتظام الحياة. فلابد للناس من مرجع يأتمرون بأمره رفعاً للنزاع والشقاق وحتي لا تعم الفوضي ويدخل علي الناس فساد كبير في دينهم ودنياهم. والإجماع منعقد علي ذلك. وبناء علي ما سبق فللحاكم أن يسن من القوانين والتشريعات ما يراه محققاً لمصالح البلاد والعباد لأن تصرف الحاكم علي الرعية منوط بالمصلحة العامة. والواجب علي الرعية نصرته لتحقيق ذلك. ومن هنا الواجب يحتم علي من دخل البلاد السعودية أن يحترم قوانينها ويلتزم بها. وتحرم عليه مخالفتها. وقد أمرت السلطات السعودية بمغادرة البلاد بعد العمرة. والواجب طاعتهم علي الفور. كما أن الواجب لا يترك إلا الواجب. كما قررته القواعد الفقهية. وهنا الحاكم أمر بمغادرة البلاد بعد أداء العمرة. وطاعته واجبة. والحج الذي تخلف لأجله من تخلف ليس بواجب في هذه الحالة لعدم الاستطاعة إلا بمخالفة جسيمة ودرء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة. أما أن بعض المشايخ قد أفتوا بجواز التخلف بعد العمرة للحج. فالجواب أن هؤلاء إما أن يكونوا من أهل الفتوي. فإن لم يكونوا من أهل الفتوي فقولهم مردود عليهم ولا اعتبار له. وإن كانوا من أهل الفتوي: واعتبرنا قولهم عن مسائل الخلاف. فحكم الحاكم في مسائل الخلاف يرفعه. والحاكم هنا قد أمر بمغادرة البلاد ومنع البقاء للحج. والله أعلم.