تعد صدقات التطوّع من الأمور التي تكون مجتمعاتنا الإسلامية والعربية الآن في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية حيث يسن للإنسان التصدّق بما ينتفع به ويثاب عليه ولو قليلاً. "فَمَن يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةي خَيْراً يَرَه" "الزلزلة:7". وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمي عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: ¢مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ فَلْيَتَصَدَّقْ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةي. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةي طَيِّبَةي¢ "أخرجه أحمد ومسلم". ومن آثارها الاستظلال بها يوم القيامة وإكرام الله للمتصدّق وتأمين يوم الفزع الأكبر. ففي حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِري: ¢كُلُّ امْرِئي فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّي يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ¢ "أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم".والآيات والأحاديث في فضل الصدقة مستفيضة. صدقة الجسد: ينبغي لكُلّ مسلم أن يشكر نعم الله عليه بالإكثار من ذكر الله وطاعته. قال تعالي: "وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ" "البقرة:152". ومن النِّعم مفاصل الإنسان وحفظها استخدامها في طاعة من خلقها. فعن بُرَيْدَةَ الأسلمي أن رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قال: ¢فِي الإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ مَفْصِلي. فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلي مِنْهَا صَدَقَةً¢. قَالُوا: فَمَنِ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ¢النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا. أَوِ الشّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ. فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَي تُجْزِئُ عَنْكَ¢ "أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد". وعن أَبِي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: ¢كُلُّ سُلامَي مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةى كُلَّ يَوْمي تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ¢ قَالَ: ¢تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةى. وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةى¢ قَالَ: ¢وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةى. وَكُلُّ خُطْوَةي تَمْشِيهَا إِلَي الصَّلاةِ صَدَقَةى وَتُمِيطُ الْأَذَي عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةى¢ "أخرجه أحمد والشيخان". ويستفاد من مجموع هذه الأحاديث أنّ ركعتي الضحي تكفي عن الصدقات المطلوبة عن مفاصل الجسد» لأنّه بتأديتها تتحرك جميع هذه المفاصل فيؤدّي كُلّ مفصل ما عليه وذلك حين يعجز الإنسان عن تقديم المنافع التي أشار إلي بعضها الحديثان السابقان وغيرهما. فكُلّ معروف صدقة. وبكُلّ تسبيحة صدقة. وأمر بمعروف صدقة. ونهي عن منكر صدقة. وبذلك لا تختص الصدقات بأهل اليسار. فكُلّ واحد قادر علي فعلها في أكثر الأوقات بلا مشقة. فإن عجز عن الأداء فعليه أن يحض غيره علي فعل الخير. ف ¢الدَّالَّ عَلَي الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ¢. فإن لم يستطع شيئًا من ذلك فإمساكه عن الشّرّ صدقة كما رواه "الشيخان وأحمد". فائدة: إذا علمت الزوجة أو الخادم رضا ربّ المال عن التصدق منه جاز لهما ذلك ولهما أجر عليه. فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: ¢إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةي كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لاَ يَنْقُصُ أَجْرُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضي شَيْئًا¢ "أخرجه الستة وابن حبان". التصدّق علي الصالحين: المؤمن التقي الواقف عند حدود الله هو الذي ترجي بركته وتستجاب دعوته فيستحب للمسلم أن يخصه بصدقته إعانة له علي طاعة الله. لحديث أَبِي سَعِيدي الخدري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ¢لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا. وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّى¢ "أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: صحيح" وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان. فقد أطعم النّبيّ المشركين وأعطي المؤلّفة. بل المراد الإرشاد إلي الأكمل وألاّ يخالط غير التقي. فيكره إعطاء الصدقة لفاسق يستعين بها علي ارتكاب محرم. فإذا لم يعلم استعانته علي ذلك فلا كراهة. الصدقة الجارية: هي التي يبقي أجرها بعد موت المتسبب فيها مادامت قائمة. وهي عشر خصال نظمها الحافظ السيوطي في قوله: إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم لَيْسَ يَجْرِي .. عَلَيْهِ مِنْ فِعَال غَيْر عَشْر عُلُوم بَثَّهَا وَدُعَاء نَجْل .. وَغَرْس النَّخْل وَالصَّدَقَات تَجْرِي وِرَاثَة مُصْحَف وَرِبَاط ثَغْر .. وَحَفْر الْبِئْر أَوْ إِجْرَاء نَهَر وَبَيْت لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي .. إِلَيْهِ أَوْ بَنَاهُ مَحَلّ ذِكْر وَتَعْلِيم لِقُرْآني كَرِيم .. فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْر وقد دلّت أحاديث الباب علي فضل الزّواج لرجاء الولد الصالح. وعلي مشروعية الوقف وعظيم نفعه في الدّنيا والآخرة. وعلي فضل العلم والحثّ علي التعلّم والتصنيف والتعليم وأن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع. وعلي أنّ الدّعاء ينفع الميت وكذا الصدقة وقضاء الدَّيْن. ونحو ذلك.