نفحة محمدية

من أسعد الكون وجمله وأبدع الأفق وحسنه من أبدع الزهر ولونه من أرسل رقيق النسيم وعطره يوم مولدك يا نبي الرحمة ورسول الأخلاق الحميدة وباعث الهمة. ومنشط العقول وقائد الإنسان إلي عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد خالق هذا الوجود لتخلص البشر من تسلط بعضهم علي بعض كرم الله بك الدنيا كما كرم الإنسان بالعقل يفكر ويدبر ويعقل ويعمر... تقيم العدل وتنثر الحق وتبث الرحمة صلي الله عليك وملائكته والخلق أجمعون.
أشاهدك بقلبي وكأني أراك رؤيا العين طفلاً سوياً تبز أقرانك خلقاً ونظافة وهدوءا واستقراراً وأدباً تحكي عنك كتب السيرة فلا نمل من قراءتها.. يحترمك الكبير قبل الصغير كل منهم ينزلك أحسن منزلة ويقدرك حسن تقدير. وأري عبدالمطلب شيخ قريش وزعيمها يراك مقبلاً من بعيد فيتهلل وجهه سروراً ويبتسم فرحاً يبسط لك أحسن مقعد. ويجلسك أرقي مجلس. وكأنه يعرف أنك ستصبح صاحب شأن عظيم تملأ الدنيا خيراً وتملأ العقول عدلاً.
أراك شاباً تتسم بالقوة الجسدية كما تتسم بالقوة العقلية والقوة الروحية.. لا تخشي في الحق لومة لائم ولا تشغلك القرابة عن اقامة العدل ورد الحقوق إلي اصحابها فتعجب أهل مكة ومن حولها لذلك الفتي النبيل اليتيم الأعزل الذي يتحدي عادات وتقاليد بعدت عما أراده الله للبشرية بإرسال الرسل والأنبياء.
يطلق عليك معاصروك الصادق الأمين يختلفون فيحكمونك ويرضون حكمك يتصارعون علي نيل الشرف بوضع حجر الكعبة يوم يجددون بناءها فلا يجدون إلا الفتي الهاشمي محمد بن عبدالله يحكمونه تبسط رداءك ليمسك كل زعيم قبيلة بطرف. وتضع الحجر بيديك الكريمتين أراك راعياً لغنم عمك أبي طالب. تعينه علي تربية أبنائه ويلهمك الله الصبر والتواضع.
خديجة بنت خويلد إمرأة ثرية جميلة تضارب بأموالها فتعطي من يخدمها أجراً يرضاه وتسمع عن الفتي محمد بن عبدالله فتختاره معاوناً لها في تجارتها وتعرض عليه أجراً يفوق ما يحصل عليه الآخرون. فيذهب بأموالها إلي الشام تاجراً ومعه ميسرة خادمها ويعود بربح وفير ويحكي ميسرة عنك كل ما شاهده من تصرفات وحكمه وأمانة فتسعد خديجة بذلك الشريك الأمين وتخاطب نفسها ما علي أن يكون هذا الفتي زوجاً لي.. وكيف لها ذلك وقد ملأ الحياء قلبها وعقلها كيف تجرؤ علي مفاتحته في الزواج منه. وهي الجميلة الثرية التي سعي إليها رجال كثيرون يخطبون ودها دون استجابة منها. فضلاً عن أن الفتي محمد بن عبدالله يصغرها بأكثر من خمسة عشر عاماً وتتولي صديقة لها عرض الأمر علي الصادق الأمين فينشرح صدره وتسر أعماقه لهذه السيدة ذات الحسب والنسب والأصل العريق ويتقدم أبوطالب عم محمد إلي ابن عمها ورقة بن نوفل ويتم الزواج بالصورة الإسلامية التي أقرها الإسلام إذ تقدم أبوطالب لخطبتها لابن أخيه بعد خطبة جميلة رائعة عرض فيها الرغبة في زواج الفتي محمد من السيدة خديجة ويستجيب ورقة بن نوفل ويتم زفافهما لينجب منها الولد والبنت وتكون له نعم الزوجة الصالحة الصلبة.
وقفت معك يا محمد في أشد المواقف صعوبة ومواجهة مع قريش بعد بعثتك صلي الله عليك وسلم.
يستمر هذا الزواج المبارك مدة تزيد علي أربعة وعشرين عاماً توفر لك عزلتك حين تناجي ربك في الغار وتذهب إليك وخدمها حاملة الطعام والشراب ليكون لك عوناً في عزلتك الكريمة. وحين أتتك النبوة وتلقيت الوحي اشاهدك وأنت عائد إلي منزلك ترتعد فرائصك ويهتز جسدك وتخبرها بما حدث لك فتطيب خاطرك وتهديء من روعك وتخبرك بشأنك العظيم يقرها في قولها ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان قارئاً لكتب إبراهيم وموسي وعيسي.
يستمر هذا العون العظيم من خديجة بنت خويلد وكأن الله سبحانه وتعالي أراد أن يعلم الناس أن خير هذه الدنيا بنشر هذا الدين لا يستقيم إلا برجل وامراة خديجة هي أول من آمن بك وتلقتك يا رسول الله بكل حنان وصدق وإيمان يثبتك وتعلم من ابن عمها ورقة بن نوفل أنك سوف تكون صاحب شأن عظيم تقود الإنسانية إلي وحدانية الله لتخرجها من الظلمات إلي النور.
اقرأ عن حبك لخديجة ووفائك لها وتقديرك لدورها فازداد لك حباً وشوقاً وإيماناً بعظمتك الإنسانية.. ظللت يا رسول الله مخلصاً لها في حياتها لم تتزوج غيرها وهي معك وبعد وفاتها تدوم ذكراها ودعاؤك لها حتي تغار بعض نسائك منها وهي في قبرها فيزيد ثناؤك عليها ثناءً مستطاباً وتقول: "آمنت بي إذ كفر الناس. وصدقتني إذ كذبني الناس. وواستني بمالها إذ حرمني الناس. ورزقي الله منها الولد دون غيرها من النساء" صلي الله عليك يا رسول الله وقد علمتنا الوفاء وزرعت فينا الخير وأقمت الدنيا علي الحق والعدل.
كان ميلادك بركة وبشراً للإنسانية كلها وفخري أنك نبينا وقائدنا ومعلمنا أدام الله لنا الإيمان بك رسولاً ونبياً وإنساناً تفخر بك الإنسانية.
يا رسول الله.. لا استطيع أن أوافيك حقك من الثناء وكفاك فخراً أن الله سبحانه وتعالي أثني عليك ثناء لا يدانيه ثناء. قال تعالي "وإنك لعلي خلق عظيم" صلي الله عليك وسلم في الأولين والآخرين.