من القضايا ذي البال التي ينبغي أن ترد إلي كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ما ابتلي به المسلمون من فئة قصر فهمها لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم فاستباحت دماء المسلمين وأموالهم كاستباحتها لدماء الكافرين وأموالهم. فروعت الآمنين ولم تفرق في عدائها بين الاطفال والشباب والشيوخ والنساء. كل ذلك ينسب إلي الدين والدين منه براء. فقد اهتم ديننا الحنيف كغيره من الأديان بحفظ الدماء والأموال وصيانتهما من الاعتداء. ففي مجال حفظ الدم: يقول الله عز وجل "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" ويقول جل شأنه "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا". وجعل للقاتل عقوبة متناهية في الشدة في الدنيا. وهي إهدار دمه قصاصاً كما أزهق روح المجني عليه عدوانا. فيقول تبارك وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم. ولكن في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والعقوبة المؤلمة في الآخر والغضب من الله عزوجل فيقول الله تبارك وتعالي: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما". وفي مجال حفظ المال: يقول الله تبارك وتعالي: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون". ومن أجل حفظه حرمت الشريعة أكله بالباطل أو إنفاقه فيما لا ينفع. ولذلك حرمت الربا والخمر والميسر وغير ذلك.. يقول الله تبارك وتعالي: "ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسا والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه". ويقول: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا". وفي مجال حفظ الدم والمال معاً: يقول الله عزوجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما".. وإذا كانت الشريعة قد أنزلت بالمعتدي علي الدم العقوبة الرادعة. فكذا جعلت للمعتدي علي المال عقوبة زاجرة. فتقطع اليد إن اعتدي علي المال بالسرقة. يقول الله عزوجل.. "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم".. وتتعدد العقوبات إن اقترن العدوان علي المال بالعدوان علي صاحبه وهو مايعرف بالحرابة. فيقول الله تبارك وتعالي: "إنماجزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم". ومن المعلوم أن مقاصد الدين خمسة علمت بطريق الاستقراء والتتبع. وهي حفظ الدين. والنفس. والعقل. والنسل. والمال. فمن أجل هذه المقاصد السامية والتي لم تختلف حولها الشرائع شرعت العقوبات الرادعة لمن ضيع مقصداً منها... يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالي: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة. وهو أن بحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة. وكل ما يفوت هذه الاصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في مرتبة الضروريات فهي أقوي المراتب في المصالح. ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل. وعقوبة المبتدع الداعي إلي بدعته. فإن هذا يفوت علي الخلق دينهم. وقضاؤه بإيجاب القصاص إذ به حفظ النفوس وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف. وإيجاب زجر الغاصب السراق إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي معايش وهم مضطرون إليها. وتحريم تفويت هذه الأمور الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليه ملة من الملل. أو شريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق. ولذا لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتل والزنا والسرقة وشرب المسكر. ولما كان حفظ الدم والمال من مقاصد الشرائع كلها بصفة عامة. وشريعة الإسلام بصفة خاصة. ولما كانت جرائم تلك الفئة الضالة لا تفرق بين دم المسلم وغير المسلم في الاعتداء. بل يسفكون الدماء وينهبون أو يتلقون الأموال ثم ينسب ذلك إلي الدين فقد لزم رد الأمر إلي كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ليظهر رأي الدين في صيانة الدم والمال ومعرفة حكم الاعتداء عليها بغير مسوغ شرعي. وبذلك يظهر كذب الكاذبين وضلال المضلين ويعرف الحق فيتبع.