وقفنا في العدد السابق عند شبهات النسخ عند النصاري حيث يقولون: إن المسيح قال: "السماء والأرض تزولان. وكلامي لا يزول" وهذا يدل علي امتناع النسخ سمعاً. والجواب علي هذه الشبهة بالآتي: أولاً: بأنا لا نسلم أن الكتاب الذي بأيديهم هو الإنجيل الذي نزل علي عيسي. إن هو إلا قصة تاريخية أو سيرة ذاتية وضعها بعض النصاري. يبين فيها حياة المسيح وولادته ونشأته ودعوته. والأماكن التي تنقل فيها. والآيات التي ظهرت علي يديه. ومواعظه ومناظراته. كما يتحدث فيها عن عقائد الوثنيين. ومنها ذلك الحادث الذي أثبتنا أنه وثني الأصل وهو حادث الصلب. وعلي الرغم من أنها قصة فقد عجزوا عن إقامة الدليل علي صحتها وعدالة كاتبها وأمانته وضبطه. كما أعياهم اتصال السند وسلامته من الشذوذ والعلة» بل ثبت علمياً تناقض نسخ هذه القصة التي أسموها الإنجيل. مما يدل علي أنها ليست من عند الله ولو كانت من عند الله ما أتاها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. وصدق الله في قوله عن القرآن: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا "النساء: 82". ثانياً: أن سياق هذه الكلمة في إنجيلهم. يدل علي أن مراده بها تأييد تنبؤاته. وتأكيد أنها ستقع لا محالة. أما النسخ فلا صلة لها به نفياً ولا إثباتاً. وذلك لأن المسيح حدث أصحابه بأمور مستقبلة. وبعد أن انتهي من حديثه هذا أتي بهذه الجملة التي تشبثوا بها: "السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول". ولا ريب أن لسياق الكلام تأثيره في المراد منه. وهكذا شرحها المفسرون منهم للإنجيل وقالوا: إن فهمها علي عمومها لا يتفق وتصريح المسيح بأحكام. ثم تصريحه بما يخالفها. من ذلك أنه قال لأصحابه- كما جاء في إنجيل متي: "إلي طريق أمم لا تمضوا. ومدينة للسامرين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلي خراف بيت إسرائيل الضالة". وهذا اعتراف بخصوص رسالته لبني إسرائيل. ثم قال مرة أخري- كما جاء في إنجيل مرقس-: "اذهبوا إلي العالم أجمع. واكرزوا بالإنجيل للخليقة". فهذا القول ناسخ للأول. ثالثاً: إن هذه الجملة - علي تسليم صحتها وصحة رواتها وكتابها الذي جاءت فيه - لا تدل علي امتناع النسخ مطلقاً. إنما تدل علي امتناع نسخ شئ من شريعة المسيح فقط. فشبهتهم علي ما فيها قاصرة قصوراً بيناً عن مدعاهم. وفي العدد المقبل نتناول وقوع النسخ في الشرائع السابقة.