يقول النبي صلي الله عليه وسلم "ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني غني النفس" كل إنسان في الحياة يجب أن يعيش غنياً سعيداً غير أن الغني الذي يحقق السعادة ليس هو غني المال. فقد يكون من ورائه شقاء كبير. إذا لم يعصمه خلق أو دين. فالذي يجعل الدنيا أكبر همه يركب لها الصعب والذلول. ويسلك من أجلها كل طريق لا تهمه قيماً أدبية ولا مباديء خلقية. إنما الغني الحقيقي الذي يوفر للإنسان سعادته هو غني النفس وعفتها وعزتها وكرامتها. والذي يساعد علي ذلك إيمان بالله يضع كل الثقة والرجاء فيه. وإيمان بحقيقة الحياة التي لا تستقر علي حال. وإيمان بأن قيمة الإنسان مرهونة بما يملكه من رصيد خلقي وعمل خيري يعيش به محبوباً بين الناس مرضياً عنه من الله. جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم وسأله عن عمل إذا عمله أحبه الله وأحبه الناس فقال له "ازهد في الدنيا يحبك الله. وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" والمراد بالزهد عدم تعلق القلب بالدنيا تعلقاً يمس الشرف ويذهب الكرامة. لقد تربي السلف الصالح علي هذا الهدي الكريم. وآمنوا أن القناعة كنز لا يفني فارتضوها شعاراً عاشوا به ملوكاً بين الناس. يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف قليلة أموالهم ولكن كبيرة نفوسهم رقيقة أحوالهم ولكن عالية هممهم. وأقبل وفد من اليمن علي النبي صلي الله عليه وسلم بزكاة أموالهم فجازاهم بأحسن ما جزيت به الوفود. إلا غلاماً قال له: والله ما أخرجني إليك يا رسول الله إلا أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني. وأن يجعل غناي في قلبي فدعا له بذلك. فعاش بين قومه غني النفس يحدثون عنه فيقولون: لو كانت الدنيا تقسم من حوله ما نظر إليها. والأخبار متضافرة علي أن الله إذا أراد بعبد خيراً جعل غناه في قلبه. لقد كان لسالم بن عبدالله بن عمر موقف رائع في عفة النفس إذ قال له أمير المؤمنين هشام بن عبدالملك حين رآه يطوف بالكعبة: سلني لأعطيك فقال له: يا هذا أنا أستحي وأنا في بيت الله أن أسأل أحد غير الله. فلما انصرف الحجاج وخرجوا إلي الحل أي بعد الحرم قال له هشام: الآن خرجت من بيت الله فسلني لأعطيك لكن سالماً يرد عليه في عفة وكرامة فيقول: أنا لم أطلب الدنيا ممن يملكها وهو الله فكيف أطلبها ممن لا يملكها. الله أكبر لهذه النفوس العالية والقلوب الكبيرة الراضية التي أحست بالسعادة الغامرة في رقة العيش مع العزة والكرامة. وعزفت عن الثراء الذي تنحي له الرءوس وتذل الأعناق. فما أحوجنا إلي عفة نفس ونظافة يد وطهارة قصد. تحفظ لنا الكرامة وتعصمنا من الزلل. وما أحوجنا إلي قدوة تأخذ بنواصينا إلي الخير. وإلي نور يضيء لنا الطريق.