يصف السفير الهندي بالقاهرة. نافديب سوري. شهر رمضان بأنه شهر الصوم والصلاة في كافة أنحاء العالم. وهو شهر مواجهة النفس والمصالحة. ويقول: عندما أتيت لمصر لأول مرة منذ عدة سنوات. لمست عمق الروابط الاسرية وحسن الضيافة والمودة السائدة في المجتمع المصري أثناء صيام هذا الشهر الكريم. إن الامتناع عن الملذات يُشيع الطمأنينة في النفس ويقوي الروح. فنحن نمتنع عن الأشياء التي تغذينا بحيث نصل الي إدراكي أعمق بالله وبنعمة. وفي الهند. التي تضم ثاني أكبر تجمّع إسلامي في العالم. يصوم المسلمون خلال شهر رمضان بنفس الروح وتقام احتفالات كبيرة في عيد الفطر. ومثل كافة الاحتفالات الهندية ك¢ مهرجان الديوالي أو الهولي أو الكريسماس¢ نشهد في رمضان روعة تجمّع الناس معا بغض النظر عن ديانتهم او مستواهم الاجتماعي أو اللغة التي يتحدثونها. ويقوم غير المسلمين بدعوة أصدقائهم لتناول طعام الإفطار ويتم تبادل الهدايا والتهاني ويقوم العديد من المتدينين بختم القرآن الكريم. كذلك يقوم معظم الزعماء السياسيين في الهند. بما في ذلك الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الشئون الخارجية والأحزاب السياسية الكبري بتنظيم موائد إفطار. وكما يحدث في مصر فإن رمضان هو وقت تتجمع فيه الاسرة ويجلس أفرادها معا ويصومون معا بعيدا عن أعباء الحياة اليومية. وعن تاريخ دخول الإسلام إلي شبه القارة الهندية يقول السفير ¢نافديب¢: لقد دخل الإسلام الهند خلال حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. حيث انتشر هذا الدين عبر بحر العرب من خلال التُجَّار الذين أتوا بأخبار هذا الدين الجديد العظيم. ويوجد في جنوبالهند ثاني أقدم مسجد في العالم والذي أنشئ عام 629 ميلادية. وبمرور السنين انتشر الاسلام وقام الملوك الفاتحين من وسط آسيا بتأسيس أسر حاكمة في الشمال وقد حكمت إحداها. وهي الامبراطورية المغولية. لاكثر من 300 عام وسيطرت علي مساحات شاسعة من الارض. وقد شهدت الحقبة المغولية ازدهارا في الفنون والعمارة حيث شاهدنا إنشاء تاج محل الرائع كما شهدت تلك الحقبة تقدما اقتصاديا وتسامحا دينيا. يستطرد السفير الهندي قائلا: واليوم. يعتبر الاسلام عنصرا مهما من عناصر النسيج الهندي ويمثل عامل إثراء لكل أوجه الحياة سواء مجال الأعمال أو التجارة أو السينما أو الفنون أو السياسة. ويتمسك المسلمون في كافة أنحاء الهند بفضائل دينهم ويمتزجون في إطار الثقافة الهندية المركبة. ويري غالبية الهنود. سواء كانوا من الهندوس أو المسلمين أو السيخ أو المسيحيين. أنفسهم جزءًا لا يتجزّأ من الهند ويؤمنون بأن تقدمهم ورفاهيتهم لا تُحدَّد بناء علي طبيعة معتقداتهم لكن تحددها مواهبهم واجتهادهم في العمل. وفي هذه الفترة التي تشهد فيها مصر عملية تحول صعبة. تتمني الهند الخير لمصر ونسأل الله ان يكون رمضان وقتا للمشاركة والمصالحة والبهجة وهي نِعَم حقيقية من نِعَم هذا الشهر الفضيل. تقاليد خاصة يتدخل د. أحمد القاضي. رئيس قسم اللغة الأردية جامعة الأزهر. بقوله: في دولة كالهند التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليار ومائة مليون مواطن تقريباً. يُشكل المسلمون فيها نسبة 13 % من السكان» أي ما يقرب من 160 مليون مواطن» لذلك تجدهم يتمسكون بتقاليدهم الإسلامية خاصة في شهر رمضان» لأنه يميزهم عن بقية الطوائف الأخري التي تمتلئ بها الهند. يضيف: والجدير بالذكر أن الهند دولة علمانية ديموقراطية لا يتم التميز فيها طبقاً للدين أو الجنس. هذا لا يعني أنها لا تحترم الأديان. بل علي العكس تترك الأديان لمعتقديها يفعلون ما يشاؤون طالما أنهم ملتزمون بالقانون. ومن هنا لا دخل للحكومة في شئون الطوائف الدينية. ولذلك لا تُعرض لأي طائفة برامج خاصة من مسلسلات وأفلام في مناسباتهم الدينية» اللهم إلا القليل. فقط يُقدم المسؤولون تهانيهم بحلول شهر رمضان. ولذلك يفرغ المسلم تماماً للعبادة. بل ويمتنعون عن الذهاب لدور السينما احتراماً لهذا الشهر الكريم.وتحل شرائط الكاسيت الخاصة بالقرآن والتواشيح التي تمدح النبي محمد صلي الله عليه وسلم. محل شرائط الموسيقي والأغاني. فالكل يتسابق في قراءة القرآن والتعبد. ولليلة الرؤية أهمية كبيرة عند الهنود المسلمين. حيث يخرج المسلمون للساحات العامة لاستطلاع هلال شهر رمضان. يرتدون أنظف الملابس. وتُحدد الرؤية من قبل الهيئات الشرعية للمسلمين. سواء كانت رؤية عينية أو حسابات فلكية. والجدير بالذكر أن المسلمين في الهند أيضاً طوائف من سنة وشيعة. وليس من الضروري أن يصوم الجميع في توقيت واحد. وهذا يعود إلي كُبر مساحة الهند الجغرافية. فقد تصوم إحدي ولايات الجنوب في نفس توقيت الدول العربية. وعند تثبت الرؤية يعانق المسلمون بعضهم بعضاً بكلمة ¢ رمزان مبارك¢. وتطلق الألعاب النارية. وتدق الطبول والدفوف ابتهاجاً ببداية الشهر الكريم خاصة في المناطق النائية. يسبق بداية رمضان بقليل. وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة طلاء المساجد. وإحلال وتجديد لفرش المساجد. وتزين المساجد والمطاعم بالأنوار. كما تُنظف الساحات المجاورة للمساجد استعداداً لصلاة التراويح. خاصة في مناطق دهلي القديمة وحيدر آباد وكشمير وكيرالا. وبنظرة تاريخية يرصد د. القاضي وضع المسلمين في الهند. قائلا: المساجد في الهند إما تاريخية تتبع هيئة الآثار. أو تتبع هيئة الأوقاف المسلمة. أو أهلية. وتجدر الإشارة إلي أن لكل طائفة من طوائف المسلمين مساجدها الخاصة لا يصلي فيها إلا أتباع هذه الطائفة. وفي كل مسجد إمام ومقيم شعائر حافظين للقرآن الكريم. والإمام ومقيم الشعائر لا بد وأن يكونا ملتحيين ومعمّمين. ولا يجوز لأي أحد آخر إمامة المصلين في وجودهما. الجميع في الصلاة لا بد وأن يكون معمماُ. تتسابق المساجد في ختم القرآن. وتقدم المشروبات والمأكولات الخفيفة بين وقفات صلات التراويح. تُقدم هذه الأشياء من أهل الخير بالتنسيق مع إمام المسجد. وحين تحين ساعة الإفطار تنير المساجد مآذنها حتي الانتهاء من صلاة الفجر. وعن تشكيل المائدة الهندية في رمضان. يقول د. القاضي: الإفطار بين المسلمين في الهند يتم علي مرحلتين رئيسيتين بعد كسر الصيام بالتمر واللبن وبعض المشروبات الخفيفة. فالكل يذهب إلي المسجد لأداء الصلاة. وإن كان البعض يُفضل أخذ هذه الأشياء من منزله إلي المسجد ويكسر الصيام مع المصلين. ويتناول الجميع هذه الأشياء بعد الآذان مباشرة. ثم تقام الصلاة. وبعدها يذهب كل حسب وجهته لتناول الإفطار. الصلاة غالباُ قاصرة علي الرجال. وفي كل اجزاء الهند يمكن مشاهدة المسلمين الذين يرتدون زي ¢كورتا باجاما¢ التقليدي وغطاء الرأس في طريقهم الي اقرب مسجد. ولا سيما صلاة العصر والعشاء. هذا الإفطار يعتبر الوجبة الخفيفة الأولي» تشمل المأكولات الخفيفة كحمص الشام والسموسة المحشية بالخضروات. وأحياناً باللحمة المفرومة وغير ذلك كل علي حسب مقدرته. هذا إلي جانب سلطة الفواكه والبكورا المصنوعة من دقيق حمص الشام مضافاً إليها التوابل وبعض الخضروات» وهي تشبه الطعمية لدي المصريين.وبالنسبة لما يتناوله المرء عند الإفطار. يختلف الأمر من منطقة لأخري. ذلك أن إفطار المسلم في ولاية كيرالا يختلف عن إفطار نظيره في ولاية كشمير. وإفطار مسلمي حيدر أباد والبنغال يختلف عنه في الكجرات. أما الوجبة الرئيسية فتكون بعد صلاة التراويح. وهي عبارة عن عن اللحوم والأرز والخضروات والخبز. وأطباق المطبخ الهندي الشهية من برياني وقورمة وكباب وكفته وتندوري وغير ذلك من الأطباق الشهيرة. ولوجبة ال ¢حليم¢ أهمية خاصة في رمضان» وهي عبارة عن اللحم مطهي مع حبات القمح لمدة لا تقل عن "8" ساعات. بعدها ينشغل المسلم بالعبادة ثم يستريح لحين موعد السحور. ووجبة السحور أو "سحري" ليست كما عندنا وجبة خفيفة بل تُطهي فيها الأطعمة الهندية السابقة. حيث تقوم المرأة قبل الموعد بساعة لتجهيز السحور. ثم يذهب المسلمون إلي المساجد لأداء صلاة الفجر. وبعدها ينامون إلي أن يحين موعد أعمالهم. حيث لا توجد ساعات عمل مختلفة في رمضان عن غيره من الشهور. وساعات العمل في الهند طويلة تبدأ من الساعة الثامنة حتي الساعة الخامسة مساء بينها وقفة لمدة ساعة. الاعتكاف والعيد يضيف د. القاضي: والمسلمون في الهند يحافظون علي سنة الاعتكاف. وخاصة في العشر الأواخر من رمضان»وهم يولون عناية خاصة بليلة القدر علي وجه أخص. وهي عندهم ليلة السابع والعشرين.وهم يستعدون لإحياء هذه الليلة بالاغتسال والتنظف ولبس أحسن الثياب. وربما لبسبعضهم الجديد من الثياب. احتفاءً بهذه الليلة. وتقديرًا لمكانتها. وتجهز سيارات بميكروفونات للطواف بالأحياء الاسلامية في المدن الكبري لإيقاظ الناس لتناول السحور. هذا لا يعني عدم وجود "المسحراتي " فهو لا يزال يؤدي دوره علي أتم وجه في المناطق الريفية» حيث يطوف كلواحد منهم علي الحي الذي وكِّل به. ليوقظ الناس قبل أن يدركهم أذان الفجر. ومعنهاية شهر رمضان تُقدم له الهدايا وما تجود به أيدي الناس. لقاء جهدهالذي بذله لهم. وتُقام موائد الإفطار من قبل الجهات الحكومية الرسمية. ويُدعي فيها مُعظم رموز الطوائف الأخري ليشاركوا إخوانهم المسلمين. كما أن الجهات الدينية المسلمة تُقيم موائد الإفطار تدعي فيها معظم رموز الدولة والطوائف الأخري خلال الشهر الكريم. كما أن للجمعة الأخيرة "جمعة الوداع" منزلة خاصة حيث يذهب الجميع إلي المسجد مبكراً. وقد ارتدوا أفضل الثياب. يستطرد د. القاضي قائلا: الخلاصة أن المسلمين في رمضان يعتزون بشهر رمضان وينأون عن أي شئ قد يُفسد ثواب هذا الشهر الكريم. وخلال هذا الشهر يتبادل المسلمون زيارات بعضهم البعض في مودة ورحمة.وفي السنوات الاولي عندما كنت في الهند دُهشت عندما شاهدت العديد من غير المسلمين ينضمون للمسلمين في احتفالات شهر رمضان. وهي الشخصية الحقيقية للهند. وبما أن شهر رمضان يدعو الناس للقيام بأعمال الخير. فإن العديد من المسلمين يقدمون الطعام. ويقومون بأعمال خيرية بغض النظر عن الانتماء الديني لمن يتلقاها. أما عن العيد فالجميع يستعد له منذ البداية بخياطة الملابس الجديدة داخل المنزل. وكل امرأة هندية عندها ماكينة خياطة تأتي في جهازها. وإن كان هذا لا يوجد الآن خاصة في المدن الكبري. وحين يُعلن العيد يذهب الجميع إلي الساحات العامة أو الأماكن المخصصة لصلاة العيد¢ عيدجاه¢. حيث يكثر هناك بائعي لعب الأطفال والبالونات والمزامير يُنادون علي بضاعتهم في بهجة وسرور. عادات هندية ويشير أحمد إبراهيم. مسئول الإعلام بالسفارة الهندية بالقاهرة. إلي أن لمسلمي الهند في شهر رمضان المعظم العديد من العادات والتقاليد التي تختلف باختلاف البلد التي يعيشون فيها. فبالإضافة إلي الفروض والطاعات التي يدعو الدين الإسلامي إلي الالتزام بها في شهر رمضان. تفرض الثقافات المختلفة عاداتها وتقاليدها علي سلوكيات المسلمين خلال الشهر الكريم. والهند ليست استثناء من هذه القاعدة. فهذا البلد يعتبر من البلاد متعددة الثقافات في العالم وبالتالي فالمسلمون الهنود لهم من العادات والتقاليد ما يخالف عادات وتقاليد المسلمين خارج هذه البلاد بالنظر إلي احتكاكهم بالثقافات المختلفة المتواجدة داخل هذا البلد الذي تجاوز عدد سكانه المليار نسمة. ومن المعروف أن الهند تحتل المركز الثاني علي مستوي العالم في عدد السكان حيث يبلغ تعداد السكان الهنود حوالي مليار و450 ألف نسمة يعيشون في مساحة قدرها 3.3 مليون كيلومترا مربعا. ومن أهم المدن ¢نيودلهي¢ العاصمة و¢أحمد آباد¢ و¢بانجلور¢ و¢آجرا¢ و¢مدراس¢. وتعتبر الهندوسية دين الأغلبية حيث يدين بها نحو 83% من إجمالي عدد السكان. ويتحدث السكان عدد كبير من اللهجات واللغات مثل السنسكريتية والعربية. يستطرد أحمد إبراهيم قائلا: دخل الإسلام بلاد الهند قبل نحو 11قرنا أي في حوالي القرن ال13 الميلادي وقد استمر المسلمون في حكم الهند لمدة نحو 800 عام انتهت ببدء الاستعمار البريطاني للبلاد. وقد خلف المسلمون في الهند تراثا علميا وفكريا ومعماريا بارزا أثر في الحضارة الهندية ويبلغ تعداد المسلمين في الهند حاليا نحو 180 مليون نسمة أي ما يعادل أكثر من 10% من إجمالي تعداد السكان. وللمسلمين في الهند قوانين خاصة بهم أقرها الدستور الهندي في القضايا الاجتماعية والشخصية مثل الزواج والميراث وما يتعلق بها ولهم حرية العبادة والإبداع ونشر الدين والدعوة إليه بلا إجبار.