أكدت الدكتورة هبة العيسوي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس أن ليبيا والسودان وإسرائيل أصابوا المصريين بالاكتئاب مشيرة إلي أن المصري أصابه داء الثرثرة وأصبح "رئيس جمهورية نفسه" مؤكدة أن الاكتئاب أصبح سمة من سمات المصريين وأننا نحتاج لمعجزة لتخليص المصريين من داء الرحرحة. وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معها: * ما سمات الشخصية المصرية الآن؟ ** تنقسم صفات الشخصية المصرية إلي صفات ثابتة منها أن الشعب المصري مرتبط حضارياً وثقافياً بالأرض والزرع والحصاد. كما يتسم بعدم القدرة علي المواجهة وفي نفس الوقت صبور وحمول جداً جداً. أما الصفات المتغيرة فهي زيادة العنف الذي لم يكن موجوداً في الشخصية المصرية فكان المصري يستغرق وقتاً طويلاً قبل استخدام العنف وضرب الآخر. أما الآن فإن معدل العنف أصبح متسارعاً بينما معدل التسامح والمغفرة أخذ في الانحسار. كلام * كلام * هناك من يري أن المصري لا يجيد إلا الكلام فما رأيك؟ ** نحن نمتلك مهنة الكلام ويستطيع المصري أن "يبلف" الآخر والمشكلة تكمن حالياً في داء الثرثرة فالكل يرغب في الكلام سواء في القنوات أو مواقع التواصل الاجتماعي فالجميع يرسل ويرفض الاستقبال من الآخر. وصلنا إلي حد أن الإنسان يري أنه رئيس جمهورية نفسه واختفت لغة التفاوض وأصبح التعنت هو السمة الغالبة علي سلوكيات المصريين. وبعد أن كان المصري يتسم بالمرونة علي مر العصور فبالرغم من تعرضه لقهر الحكام إلا أنه كان تعامل مع هذا القهر وتخلص منه بالمرونة أما الآن اختفت المرونة وأصبح هناك "اختلافات قهرية" فالشخص يدمر من يختلف معه حتي يثبت رأيه!! تغيرات شخصية * وهل هناك متغيرات طرأت علي الشخصية المصرية؟ ** من المتغيرات التي طرأت علي الشخصية المصرية تغير طبيعة المصريين التي كانت تتجه إلي العمل الفردي وثبت فشلها في العمل الجماعي إلا أنه بعد الثورة ثبت أن العمل الجماعي هو الحل الأمثل لتحقيق المطالب المشروعة. المعروف أن المصري "ابن نكتة" لكنه يميل إلي حيز الاكتئاب وكأن الأساس هو الحزن والفرح استثناء لكن بعد الثورة حدثت صدمة للشخصية المصرية وتغيرت الحالة الاكتئابية إلي حالة من النشوة بعد أن أثبت المصريون قدرتهم علي خلع نظام استمر حوالي 30 عاماً في الحكم إلا أن هذا لم يستمر طويلاً حيث بدأوا في الاصطدام بالواقع. الشعب يعاني من اكتئاب قومي علي جميع المستويات فنحن مستهدفون اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ومستهدفون من دول الجوار ليبيا والسودان وإسرائيل وبالتالي لا يوجد إنسان في مصر لا يعاني من الاكتئاب أو القلق والمخاوف علي أقل تقدير. الإنسان المصري بطيء بطبعه ويحب الكرسي ويحب "الرحرحة" عكس الشعب الياباني فهو شعب متحرك والحركة أساسية في مخزونه الفكري لكن بعد الثورة حدث إعلاء لقيمة الحركة وأصبحت من سمات الشخصية المصرية. نتائج ثورية * ماذا فعلت الثورة بالمصريين؟ ** خلال ال 60 سنة الماضية كان المصري يعاني من حالة انهزامية يقول "هو أنا اللي هغير خليني جنب الحيطة" لكن بعد الثورة تغيرت وأصبحت الحالة الثورية سمة أساسية في الشخصية. والحالة النفسية للشعب المصري لم تستقر بعد هذه الحالة تجعل كل السلوكيات مبال فيها. البلطجة مبالغاً فيها. والخوف مبالغ فيه. حتي الغضب مبالغ فيه. والحل إصلاح النفوس من داخلها. فالفوضي تؤدي إلي القلق الشديد وتشعرنا بعدم الاستقرار وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر علي الاقتصاد والمناخ العام للمجتمع. الصراع الأسري! * لماذا وصل الصراع السياسي داخل الأسرة إلي حد الانفصال؟ ** الصراع السياسي داخل الأسرة وبين الأصدقاء وصل لدرجة الطلاق والقطيعة الأسرية فنحن لم نتعود ثقافة الاختلاف وإذا لم يوافق الآخر علي الرأي أشعر بالدونية وبالرغم من ذلك يعتبر هذا الصراع الأسري حالة مخففة مقارنة بالدول التي حدثت فيها ثورات وسوف نتخلص من هذه الحالة الثورية قريباً لأن المصريين ليسوا شعباً عنيفاً. * ما تأثير الدراما علي الشخصية المصرية؟ ** الدراما الآن تلعب دوراً أو مثلاً سيئاً فهي تشجع نمط البلطجة والشخصية المذمومة وأصبح هذا النموذج مثلاً وقدوة في الأفلام والدراما بدعوي حرية التعبير. * المعروف أن المصري مشاعره فياضة أما الآن اندثرت هذه المشاعر وتحول إلي شخصية قاسية لا تنفعل بالأحداث ولا تتأثر بالمشاهد المؤذية وساعد عليها ثقافة التقليد التي نتقنها. إدمان الشباب * انتشر إدمان الترامادول بين الشباب. فلماذا؟ ** الترامادول يسمي حبوب الحكمة ويستخدم كمنوم ومسكن بعد إجراء الجراحات ومؤخراً زادت نسبة إدمانه بين طلاب الجامعات بشكل خرافي كذلك بين العاملين وكبار السن بدعوي أنه يساعد علي الهدوء إلي جانب معاناة الشباب من الإحباط لأن الثورة لم تحقق أهدافها فيحاول التغلب علي إحباطاته بالترامادول وهو ما يؤثر سلباً علي شخصية الشباب وصحتهم ويغيب الإرادة. الكل مريض * هل يمكن مواجهة الاضطرابات بالعلاج النفسي؟ ** كل الفئات في المجتمع تحتاج إلي علاج نفسي وقد تزايد مؤخراً الوعي بالطب النفسي وتزايد الاقبال علي عيادات المشورة من المستويات المتوسطة وأقل من المتوسطة. * هل يمكن مواجهة التغيرات في الشخصية عن طريق الدين؟ ** أكدت الأبحاث الحديثة أن الإنسان متدين بفطرته لكنه يعاني من ازدواجية التدين فالمرء يصلي ويصوم وفي نفس الوقت يكذب ولا يؤدي أعماله وبذلك فإن جوهر الدين مفقود في السلوكيات ومطلوب إحياء روح الدين في وجدان المصريين: * هل تستمر التفجيرات إلي ما لا نهاية؟ ** التفجيرات لها وقت وتختفي بعد استقرار البلاد ومشاركة الشباب بفاعلية في المجتمع واختيار حكومة قوية وخطة واعية. الكسل والعزلة * الأوضاع الحالية تدفع الكثيرين إلي الكسل والعزلة فما الحل؟ ** الشعور بالتشاؤم والحزن والمخاوف والكسل النابع من الاضطرابات النفسية يصيب الشخص بعدم الدافعية أو الرغبة في الإنجاز ويؤثر علي رؤيته للمستقبل وخططه وقد تزداد الأعراض لتصل إلي الشعور بالاكتئاب أو القلق النفسي لأن الشخص في هذه الحالة يفقد الثقة في إمكاناته. وعلي هؤلاء أن ضعوا نصب أعينهم أهدافاً لتحقيقها ولنبدأ بالأهداف الصغيرة لكن قبل أي شيء لابد من العلم في مكان منظم ونظيف مع أخذ قسط وافر من النوم وإعادة ترتيب الحجرة ولصق صور طبعية وألوان تدعو للتفاؤل ثم نبدأ بالأهداف الصغيرة وعلي كل شخص أن يكافيء نفسه كلما أنجز خطوة ويجب الإصرار علي الحالة الجديدة لأنها تكون لدينا عادات جديدة متفائلة.