الإنسانية سمة من أهم سمات الإسلام الكبري منذ ظهوره حتي الآن . وقد تجلت حتي في أحلك اللحظات وأصعب الظروف . وهي ليست كلمات وإنما هي تطبيق عملي منطلقا من عقائده وشعائره وآدابه . من هنا تأتي أهمية التعرف علي بعض هذه الجوانب التي أبهرت العالم .. يشير الدكتور حامد أبو طالب . عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر . إلي أن إنسانية الإسلام تنبع من مبدأُ الإخاء الإنساني الذي أقره ديننا وأن البشرَ جميعاً أبناءُ رجُلي واحد. وامرأة واحدة وبينهم رحم واصلة لخصها الله تعالي في قوله : ¢ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسي وَاحِدَةي وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ¢ . وأكبر دليل علي هذه الإنسانية الكثير من الآيات القرآنية تبدأ ب ¢يَا أَيُّهَا النَّاس¢ ولا تناقض بين الإخاء البشري والإخاء الديني . وهذا الإخاء الإنساني في الإسلام ليس للاستهلاك المحلي. ولا للتضليل العالمي إنما هي حقيقة دينية أكدها الله أيضا في قوله ¢يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَري وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى خَبِيرى ¢ وأشار الدكتور أبو طالب . إلي أن باب الإيمان مفتوح لكل الناس بلا قيد ولا شرط ولا تحفظ علي جنس أو لون أو إقليم أو طبقة وأكده النبي صلي الله عليه وسلم بقوله : ¢لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّي يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ¢ وفسر بعض العلماء الأخوة هنا بأنها في الإنسانية وأكدها مرة أخري في حجة الوداع ¢يَا أَيُّهَا النَّاسُ. أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدى. وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدى. أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيّي عَلَي أَعْجَمِيّي. وَلَا لِعَجَمِيّي عَلَي عَرَبِيّي. وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَي أَسْوَدَ. وَلَا أَسْوَدَ عَلَي أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَي. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ. استشهد الدكتور ابو طالب . بالموقف الإنساني للنبي صلي الله عليه وسلم قام لجنازة لرجل يهودي . فلما سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك قال : أليس إنساناً ¢ . وكذلك كان الفاروق عمر بن الخطاب . إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال لهم:¢إني أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا. والناس كالطير. إن رأوكم وقعتم وقعوا. وايمُ الله لا أوتَيَنَّ بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه. إلا ضاعفتُ له العقوبة لمكانه مني¢. عملة واحدة يشير الشيخ جمال قطب . الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر . إلي انه يخطئ من يظن أن الإسلام والإنسانية أمران متناقضان بل هما وجهان لعملة واحدة ولقد علّمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم معني الإنسانية حين عفا وصفح عن المعتدين الظالمين في أكثر من موقف وأشهرها قوله لكفار قريش : ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ . قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم . فقال لهم جملته الخالدة :¢ اذهبوا فأنتم الطلقاء. قال وهو قادر علي العقاب والانتقام والثأر. وأشار الشيخ قطب. الي أن كلمة ¢الإنسان¢ تكررت في القرآن ثلاثًا وستين مرة. فضلاً عن ذكره بألفاظ أخري مثل ¢بني آدم¢ التي ذكرت ست مرات. وكلمة ¢الناس¢ التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكيّ القرآن ومدنيّه ولعل من أبرز الدلائل علي ذلك أنّ أول ما نزل من آيات القرآن علي رسول الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم خمسُ آيات من سورة العلق ذكرت كلمة ¢الإنسان¢ في اثنتين منها ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت ¢العبادات¢ لا تأخذ إلا نحو ربعه أو ثلثه والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوالي شخصية ومعاملات وجنايات وعقوبات وغيرها. وأوضح الشيخ جمال قطب . أن القيمة الإنسانية واحدة للجميع. فالعربيّ إنسان. والعجميّ إنسان. والأبيض إنسان. والأسود إنسان. والحاكم إنسان. والمحكوم إنسان. والغنيّ إنسان. والفقير إنسان. وربُّ العمل إنسان. والعامل إنسان. والرجل إنسان. والمرأة إنسان. والحرّ إنسان. والعبد إنسان. وما دام لكل إنسان فهم إذن سواسية كأسنان المشط الواحد ومن هنا اعتبر الإسلام الاعتداء علي نفس أي إنسان اعتداء علي الإنسانية كلها.وجعل إنقاذ أي نفس إنقاذًا للجميع فقال تعالي ¢ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسي أَوْ فَسَادي فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا¢. وقد حاول الصحابة أن يشفعوا أسامة بن زيد - حِبُّ رسول الله وابن حِبّه- في امرأة من قريشية من بني مخزوم سرقت فاستحقت أن يقام عليها حد السرقة: قطع اليد فكلمه فيها أسامة. فغضب صلي الله عليه وسلم غضبته التاريخية المعروفة وقال كلمته التي خلدها التاريخ: ¢ إنّما هلك من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله. لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمدى يدها¢. وأنهي الشيخ جمال قطب كلامه مؤكدا انه عهود الخلفاء الراشدين كانت هناك صور لتطبيق مبدأ المساواة بين الجميع دون تفريق أو تمييز والنماذج علي ذلك عبر تاريخ الحضارة الإنسانية تحتاج الي مجلدات. منصفو الغرب أشار الدكتور عبد الله النجار . عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر . إلي أن إنسانية الإسلام أبهرت غير المسلمين لدرجة أن بعضهم ألف كتبا عنها وشهرها كتاب ¢ إنسانية الإسلام¢ تأليف المفكر السويسري مارسال بوازار باللغة الفرنسية وتمت ترجمته إلي العربية وهو بحق شهادة معاصرة من رجل قانون ومفكر له مكانته ومنزلته في الغرب وقد كان سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي من النشيطين في مجال الحوار بين الإسلام والغرب ومن المؤسسين لجمعية دولية ضمت في صفوفها صفوة من المفكرين الغربيين والمسلمين وأسست لها فروعا كثيرة وعقدت عديد الندوات والمؤتمرات وتعاونت مع هيئات دولية مثل منظمة اليونسكو وكان من برامجها مراجعة الكتب المدرسية والمقررات الجامعية وتخليص صورة الإسلام والمسلمين في برامج الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية من الكثير مما علق بها. وأوضح أن مارسال بوازار. ليس الوحيد في الغرب من نطق بالحقيقة وكان منصفا متجردا وداعيا إلي تجسيم التعايش والتعاون بين الإسلام والغرب فكثير هم المؤلفون والباحثون والدارسون الذين جرهم البحث العلمي المنصف والمتجرد إلي اكتشاف حقيقة أصول الإسلام المعبرة عن القيم الإنسانية الرائعة والداعية لها وكذلك الحقيقة التاريخية من خلال الممارسة الفعلية التي لا ندعي لها الكمال ولكنها من اقرب الممارسات الإنسانية الرائعة والبعيدة كل البعد عن كل دعوات العنصرية والعدوان والتعصب والتزمت والظلم والاضطهاد للآخرين مثل الفرنسي جوستاف لبون والألمانية سيجريد هونكه والايطالية لورا فاجليري وقدألفوا كتبا أهمها "الحضارة العربية" و"شمس الله تشرق علي الغرب" و"دفاعا عن الإسلام" وغيرها هي كتب متداولة ومترجمة إلي العربية تقف خير شهادة علي إنسانية وسماحة الإسلام وحضارته وتاريخ. أشار الدكتور النجار. إلي أن عقلاء الغربيين المنصفين لم يتأخروا عن الإدلاء بشهاداتهم المتجردة التي كلفتهم في الكثير من الأحيان مضايقات تحملوها بصمود وثبات يسجل لهم بمداد من الفخر مثل جارودي وبوكاي وغيرهما. طالب بزيادة الكيات المنشورة ممن تلك الكتب المنصفة التي توضح تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب نظرا للحملة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والتي تلصق به ظلما وعدوانا ما لا يمت له بصلة وما هو براء منها ويتم وصفه بالإرهاب والعنف والتطرف مع انه دين الرحمة الإنسانية وقد أكد مارسال بوازار أن رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم النموذج الأمثل مؤكدا أن مزايا النبي الثلاث وهي ¢ الورع والقتالية والعفو عند المقدرة ¢ قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسدت المناخ الروحي للإسلام وأكدته الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية . كما أن بين الإسلام والمسيحية قيم مشتركة حيث أن موقف المسلم من المسيحية متسامح إلي حد يبدو أن حوارا أكثر إخاء قد قام منذ ماض قريب فقد وفرت دراسة القيم الأخلاقية المشتركة قاعدة أصلح للنقاش بوصف هذه القيم معالم أو محطات انتظار بين الإسلام والغرب وهذا تجسيد حي لقوله تعالي: "ولقد كرمنا بني آدم" ودعوة الإسلام اتباعه إلي الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" "قل يا أيها الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء". وأنهي الدكتور النجار كلامه بأن تجسيد مبدأ المواطنة وسيادة القانون والشفافية وحقوق الإنسان بما فيها الحرية والعدالة وجدت في السنوات الأولي للإسلام في مجتمع المدينة من خلال دستور المدينة.