القانون هو الحاضر الغائب في كل الأحداث الدموية بالصعيد وآخرها مجزرة أسوان بين الهلايلة والدابودية.. فالعدالة البطيئة تزيد نيران المعارك الدموية اشتعالا.. وتحاول المصالحات من خلال "القودة" اطفاء تلك النيران وبين هذا وذاك تظل نصوص القانون حائرة ولا يعلمها كثيرون سواء في الثأر أو المصالحة أو حمل السلاح.. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يكشف فيه خبراء القانون ما خفي. في البداية يشير المستشار أحمد كامل أبو السعود رئيس محكمة استئناف الاسكندرية إلي اختلاف أحكام القتل في الشريعة الاسلامية عنها في القانون الوضعي "قانون العقوبات" ولمعالجة هذا الاختلاف لابد من مناقشته طبقا للضوابط والمعايير التالية: ان القوانين الوضعية في مصر تتفق مع أحكام الشريعة سواء القوانين المدنية أو القوانين الجنائية "كأصل عام" وتختلف في مسائل محددة علي سبيل الحصر نسوق منها الأمثلة التالية: أولاً: القانون الجنائي أحكام الحدود.. ومنها حد القتل العمد وتجب الوقفة التشريعية لمعالجة هذا الاختلاف المحدود باعتبار ان الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر علي نحو ما استقرت عليه الدساتير المصرية ومنها دستور 2014 الحالي. ثانياً: القانون المدني وفروعه: تختلف نصوص التشريع المدني عن احكام الشريعة الغراء في مسائل محدودة ايضا منها علي سبيل المثال احكام الفوائد الربوية وأحكام التقادم. أضاف ان احكام القتل العمد في الشريعة تعالج الأمر كعقوبة بصور ثلاث: القصاص. التعويض "الدية". الصلح "عفو ولي الدم" وذلك تطبيقا لقوله تعالي "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" "178. 179 البقرة". ان احكام القتل العمد في التشريع الوضعي في مصر "قانون العقوبات" تنص علي أن تكون العقوبة علي الفرضين التاليين: الفرض الأول: القتل العمد المجرد من الظروف المشددة تكون العقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة "السجن المشدد المؤبد" عملاً بالمادة "234" فقرة "1" من قانون العقوبات. الفرض الثاني: القتل العمد يصحبه ظرف مشدد أو أكثر وهذه الظروف المشددة هي سبق الاصرار أو الترصد والقتل بالسم أو اقتران جناية القتل العمد بجناية أخري فتكون العقوبة الاعدام عملا بالمواد 230. 231. 232. 233 من قانون العقوبات. وحتي يكون التشريع الجنائي المصري مطابقا لأحكام الشريعة يري المستشار أبو السعود ضرورة أن يقوم المشرع المصري بتعديل المواد المتعلقة بأحكام القتل العمد حتي تكون مطابقة للشريعة وذلك بأن تتضمن هذه المواد الاعتداد بالصلح بين ولي الدم "أهل المقتول" وبين الفاعل وأهليته انه في حالة حصول الصلح الموثق في الشهر العقاري بين الطرفين أو الذي يتم الاقرار به أمام المحكمة تنقضي الدعوي الجنائية صلحا. والجدير بالذكر ان "انقضاء الدعوي الجنائية صلحا" قد اعتد به المشرع المصري في السنوات الأخيرة مثلما هو الحال في بعض جرائم المال أو الجرائم المتعلقة بالاعتداء علي المال مثل جريمة اصدار شيك بدون رصيد وغيرها. العرف والقضاء يشير المستشار أمير رمزي رئيس محكمة الاستئناف إلي ان القانون المصري لم يسمح بالتصالح في القتل الجنائي بالرغم من ان الشريعة الاسلامية سمحت بالدية حتي الجلسات العرفية تتم بصورة تراض حتي لا تستمر الجريمة بين العائلات. يشير إلي أن مصادر التشريع في القانون تنقسم إلي نصوص قانونية. الدستور. التشريع. العرف. أحكام القضاء. مبادئ العدالة يستخدم العرف اذا لم يكن للمشكلة نص قانوني نلجأ للعرف لكن التشريع اذا نظم شيئا لا نأخذ بشيء آخر وان تهمة احراز السلاح لا يجوز فيها التصالح لأن المجني عليه فيها هي الدولة كذلك التجمهر والترويع لا يجوز التنازل فيهما عكس السرقة فهناك شخص مجني عليه يمكن له أن يتنازل. أشار إلي ان جرائم القتل فقط يمكن فيها التنازل عن الحق المدني اما الحق الجنائي فهو للدولة التي لا تأخذ بالدية حيث ان التشريع المصري لا يعترف بالدية وينقسم إلي الشق المدني وهو حق ولي الدم في التعويض والشق الجنائي وهو توقيع العقوبة الجنائية علي المتهم لتحقيق الردع العام والخاص والنيابة العامة هي من تدعي الدعوي الجنائية. ويري المستشار أمير رمزي ان الصلح يؤثر علي الدعوي الجنائية ان يكون امام القاضي ما يجعل هناك اسباب لتخفيف العقوبة أو ايقافها اذا كانت مدتها تستوجب الايقاف. ولا نتصور ايقاف العقوبة في القتل اذا استخدمت المادة "17" من الاعدام إلي المؤبد المشدد من 3 إلي 15 سنة والسجن المؤبد لاحراز السلاح الآلي طبقا لقرار المجلس العسكري رقم 16 لسنة 2012 وإذا كان السلاح غير آلي يسجن سجنا مشددا يتراوح من 3 إلي 15 سنة والحبس من 3 شهور إلي 3 سنوات في حالة احراز سلاح ابيض. الرأفة العرفية يري المستشار محمد خليل ان الشريعة الاسلامية تبيح لولي الدم أن يتصالح ويقبل الدية ولكن عندما تشتعل القضية مثلما حدث في الجنوب وانتهاء احترام الصغير للكبير والقضاء علي الأعراف المستقرة في تلك المجتمعات خاصة بعد أحداث 25 يناير وما حدث أخيرا من الاجتماع الذي تم بقيادة المحافظ وبعض المسئولين مع كبار العائلات والاتفاق عليه ثم نقضه فورا من الشباب وتوجيه الأسلحة النارية إلي قلوب بعضهم بعضا لدليل قاطع علي ان الاعراف التي كانت مستقرة اهتزت وأصبحت في طريقها إلي الضياع. أضاف ان القاضي يحكم بما تسفر عنه الأوراق وبما يستريح إليه ضميره علي وجه القطع والجزم واليقين وقد يستخدم ما كفله القانون من استعمال المادة "17" الخاصة باستعمال الرأفة أو المادتين "55. 56" عقوبات التي تجيز ايقاف تنفيذ العقوبة مراعيا في ذلك الظروف الاجتماعية والمواءمات القضائية التي تعمل علي تهدئة المجتمع واستقراره.