عندما نهزم فإننا نقول: "إننا نسينا الله فنسينا" وعندما ننتصر فإننا نتصور ملائكة تحارب معنا. ولأن لحظات الانتصار قليلة فإن جلد الذات بسياط التقصير في حق الله سبحانه وتعالي لا حد له ولا نهاية. إن ذلك ما فسرنا به ما جري لنا في هزيمة يونيو. وتسليم بغداد. وتفوق إسرائيل في مجازرها الجماعية. لقد قال الله سبحانه وتعالي: ¢وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدو الله وعدوكم¢ تقول الآية الكريمة ¢تُرهِبون به عدو الله وعدوكم¢ نحن الذين نُرهِب. فلو شاء الله سبحانه وتعالي لقال: "أُرهِب به عدوي وعدوكم" وطالبنا الله أن نعد لهم ما استطعنا: 1- من قوة. أي الحد الأقصي من القوة. 2- من رباط الخيل. ثم أضافت الآية الكريمة ¢تُرهِبون به¢ ولم تقل "تُرهِبون بهما" ولأن الضمير يعود علي الأقرب فإن ¢ تُرهِبون به ¢ تعود علي رباط الخيل وليس علي القوة. وكلمة رباط تعني استعداد. يقول النبي صلي الله عليه وسلم: ¢ إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جنداً كثيفاً فإنهم خير أجناد الأرض وأنهم وأهليهم في رباط إلي يوم القيامة ¢ إذن كلمة رباط معناها الاستعداد وليس المقصود بالخيل أخت البغال والحمير ¢ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ¢ معني ¢ رباط الخيل ¢ هنا الاستعداد فالذي يُرهِب عدو الله وعدونا ليس القوة في حد ذاتها وإنما الاستعداد. فكثيراً ما كانت هناك أسلحة كثيرة ضاعت علينا لأننا لم نكن نضيف إليها الاستعداد. وعندما نقول "أعدوا لهم ما استطعتم من قوة" فهذا يعني السلاح الكثير والكثيف. ولكن هذا السلاح يمكن أن يكون في المخازن. أما التدريب عليه وتطويره فهذا هو الاستعداد. وكلمة الخيل هنا تأتي من الخيلاء والخيلاء هي الاعتزاز بالنفس والإيمان بالقضية التي نحارب من أجلها. أو هي بالتعبير العسكري الحديث: الروح القتالية. أو الروح المعنوية. لقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأي رجلاً فارساً مسلماً شاهراً سيفه ممسكاً بدرعه مؤمناً بقضيته ويسير في خيلاء فقال: ¢مشية ممقوتة إلا في هذا الموضع. موضع الذهاب إلي القتال. هذا هو رباط الخيل¢. إن رباط الخيل هو الذي جعل الرسول عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة يأمر المسلمين عند الطواف بالبيت الحرام بأن يكشفوا سواعدهم وأن يرملوا "يجروا جرياً خفيفاً" ويقول لهم: ¢رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ¢ رباط الخيل أن تعتز بقضيتك وتؤمن بها إلي درجة الخيلاء. إن الخيلاء ممقوتة إلا في الروح القتالية المرتفعة. لقد تصور المفسرون خطأ أن الخيل هنا هي الخيل التي نعرفها وقد راحوا يقيسون قوة المعدات الميكانيكية الحديثة بقوة الخيل "هورس باور" ليعطوا للآية تفسيراً عصرياً مناسباً. وربما كان أكبر دليل علي تفسيرنا هو ما جري في هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر. في الحالة الأولي كنا قوة بلا رباط خيل. وفي الحالة الثانية كنا قوة برباط خيل. في الحالة الثانية كان هناك سلاح وتدريب راقي عليه وحالة معنوية مرتفعة وقضية نؤمن بها هي قضية تحرير سيناء من المحتل الإسرائيلي. ويقول العسكريون تأكيداً لذلك: "عرق التدريب يوفر دماء كثيرة في المعركة" أما الروح المعنوية فيقول الله سبحانه وتعالي مخاطباً رسوله الكريم: ¢يا أيها النبي حرض المؤمنين علي القتال¢.. ¢إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً¢ فالروح المعنوية تجعل قوة الجندي بعشرة. وللحديث بقية.