* تسأل علياء محمود من الجيزة: كيف تكون المحنة خيراً للمسلم؟ كما حدث في حادث الإفك؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر من علماء الأزهر: لا تحسبوه شراً لكم. الإفك: الكذب والافتراء - والقذف: رمي المحصنات بالزني.. ولاشك أن قذف المحصنة المؤمنة بالزني من أعظم الكبائر قال تعالي: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم" آية رقم 23 من سورة النور.. فكيف إذا كانت تلك المؤمنة هي إحدي زوجات النبي - صلي الله عليه وسلم - الطاهرات الطيبات. بل أحب زوجات النبي - صلي الله عليه وسلم - إلي قلبه. وأقربهن إلي نفسه وهي السيدة عائشة - رضي الله عنها. لاشك إن الجرم سيكون حينئذ عظيماً. والذنب سيكون متضاعفا. لأن قذف الزوجة بالزني يؤذي الزوج والزوج هنا هو رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وقد توعد الله تعالي باللعن والعذاب كل من يؤذي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال تعالي: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" آية رقم 57 من سورة الأحزاب وقد نزلت في حادثة الإفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة - رضي الله عنها - بالزني ست عشرة آية من سورة النور من قوله تعالي: "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.." وانتهت بقوله تعالي: "... أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم" من الآية رقم 11 إلي الآية رقم 26 واللافت للنظر في هذه الآيات الكريمة الست عشرة ما في الآية الأولي من الآيات وهو قوله تعالي: "لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم" فأي خير في هذا الحدث الذي مس عرض رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ونال من أهل بيته؟ والجواب علي ذلك أقول: 1" الخير والشر في هذه الحياة أمر نسبي. فليس هناك خير خالص ولا شر خالص لأن الخير الخالص هو نعيم الجنة في الدار الآخرة كما وعد الله المتقين. والشر الخالص هو عذاب النار كما توعد الله العاصين. وأما ما يصيب المؤمن في الدنيا فهو إما خير يغلب عليه الشر أو شر يغلب عليه الخير. بل قد تأتي الفوائد من وجوه الشدائد والشدائد من وجوه الفوائد والأضرار من وجوه المسار والمسار من وجوه الأضرار. وربما كمنت المنن في المحن والمحن في المنن.. كما قال ابن عطاء الله السكندري في كتابه المعروف بالتنوير في إسقاط التدبير.. ومما يدل علي ذلك قوله تعالي: "... وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم.." آية رقم 216 من سورة البقرة والتاريخ خير شاهد علي ذلك: فلولا محنة يوسف - عليه السلام - بتآمر إخوته عليه ما مكنه الله في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. قال تعالي: "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.." آية رقم 56 من سورة يوسف. ولو لم يخرج المشركون الرسول - صلي الله عليه وسلم - والمسلمين من مكة ما كانت دولة الإسلام في المدينة. ولا عم نور الإسلام مشارق الأرض ومغاربها قال تعالي: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك" آية رقم30 من سورة الأنفال ولولم تخرج عصبة بدر من المسلمين كارهين لملاقاة المشركين ما كان يوم الفرقان قال تعالي: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون" آية رقم5 من نفس السورة. 2" ترتب علي هذه الحادثة نزول ست عشرة آية تبرئ السيدة عائشة - رضي الله عنها - مما اتهمت به ولاشك أن في ذلك رفعاً لدرجتها وإعلاء لمنزلتها قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف - عليه السلام - لما رمي بالفاحشة برأه الله علي لسان صبي في المهد وإن مريم - عليها السلام - لما رميت بالفاحشة برأها الله علي لسان ابنها عيسي - عليه السلام - وإن عائشة - رضي الله عنها - لما رميت بالفاحشة برأها الله تعالي بالقرآن فما رضي لها براءة صبي ولا نبي حتي برأها الله بكلامه من القذف والبهتان ج7 ص 4604 تفسير القرطبي. 3" عن جانب الخيرية في هذا الحدث يقول المفسرون: والخير في ذلك من خمسة أوجه: 1- تبرئة أم المؤمنين 2- كرامة الله لها بإنزالها الوحي في شأنها 3- الأجر الجزيل في الفرية عليها 4- موعظة المؤمنين 5- الانتقام من المفترين ج10 ص913 صفوة التفاسير للصابوني وبذلك نري أن هذاالحدث علي الرغم من بشاعته إلا أن فيه خيراً للإسلام والمسلمين كامن فيه.