منذ أن بدأ المرض يشتد برسول الله "صلي الله عليه وسلم ".. وبدأت الفتنة تبرز علي ساحة المدينة بين قطاعات المهاجرين والأنصار. تلك القطاعات التي كانت تهييء نفسها لاستثمار مرحلة ما بعد الرسول.. كانت زعامات قريش التي أطاح بها الإسلام في مرحلة الفتح ترقب من بعيد البيت النبوي وتطورات مرض الرسول.. وكانت قطاعات المهاجرين في المدينة تتداول الأمر فيما بينها علي ضوء وصية الرسول في حجة الوداع وما تنزل من القرآن في أواخر حياته. وذلك بهدف وضع ملامح المرحلة القادمة . مرحلة ما بعد الرسول . وتحديد دورهم فيها . كانت الأنصار ترقب الأحداث في توجس خوفا من فقد مكانتها ووضعها الاستراتيجي بوفاة الرسول.. وكان المنافقون يعدون العدة لإنهاء مرحلة السرية والتخفي وتجهيز أنفسهم للتكيف مع المرحلة الجديدة.. وكانت هناك فئة قليلة من المؤمنين منشغلة بالرسول ومستقبل الدعوة وردود الأفعال التي سوف تحدث بعد وفاته علي مستوي المدينة وخارجها. تعيش مصر هذه الايام موجة من العنف بلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي . ومع اقتراب موعد الاستفتاء علي الدستور من المتوقع ان تتصاعد هذه الموجة . وذلك في اطار الصراع علي الحكم والسلطة من قبل جماعة الاخوان المسلمين. وذلك بعد أن تم عزلهم من السلطة في اعقاب ثورة 30 يونيو. ولأننا أيضا نعيش هذه الأيام ذكري مولد ووفاة الرسول صلي الله عليه وسلم ونعلم جميعا ماذا حدث بعد وفاته صلي الله عليه وسلم من راع علي السلطة والحكم .نحن نحاول في هذا التقرير ان نستخلص العبر ونري كيف حكم الصحابة روح العقل واستعانوا بمنهج الرسول صلي الله عليه وسلم في استعادة زمام الأمور. بعد وفاة الرسول اجتمع كبار الأنصار في سقيفة ¢بني ساعدة¢ لاختيار خليفة منهم فبلغ الخبر كبار المهاجرين. فأسرع إلي السقيفة أبو بكر الصديق. عمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح وهناك دار حوارا شديدا بالسقيفة بين الأنصار والمهاجرين. فخطب سعد بن عبادة¢ سيد الخزرج¢ خطابا مبينا البراهين لأحقية الأنصار بالخلافة . ثم ألقي أبو بكر الصديق خطابه مبينا الحجج والبراهين لأحقية المهاجرين بالخلافة. ثم اقترح احد الأنصار الا وهو الحباب بن المنذر أن تكون الخلافة ثنائية أي أميرا من المهاجرين وأخر من الأنصار إلا أن المهاجرين رفضوا. فيقنعهم أبو بكر أن الخلافة لقريش ويعرض عليهم مبايعة عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح فقام عمر بمبايعة أبو بكر الصديق ثم بايعه أبو عبيدة وكل من في السقيفة فسميت بالبيعة الخاصة وفي اليوم التالي جلس أبو بكر الصديق في المسجد وبايعه كل المسلمين فسميت البيعة العامة. المحللون ورواة التاريخ يرون ان بيعة السقيفة كانت تنذر بشر مستطير وفتنة كبري لولا ان تم احتواؤها حيث كان الطّرف الأوّل في هذه الأزمة هم الأنصار» فقد تدرّج موقفهم من الهدوء إلي العنف ومن الرّغبة في الاستيلاء علي الحكم إلي المطالبة باقتسامه. فقد بدأ الأمر حسب ابن قتيبة بخطبة ألقاها سعد بن عبادة رغم مرضه ذكّر فيها بفضل الأنصار وسابقتهم في الدّين ونصرة الرّسول يقول ابن قتيبة راويا حديث سعد يا معشر الأنصار. إنّ لكم سابقة في الدّين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب فشدّوا أيديكم بهذا الأمر . فإنّكم أحقّ النّاس وأولاهم به" غير أنّ الأحداث تغيّرت بعد وصول عمر وأبي بكر. فاقترح أحد الأنصار وهو الحباب بن المنذر منّا أمير ومنهم أمير عندها تطوّرت الأمور وكادت تنزلق إلي صراع مسلّح خاصّة بعد رفض عمر ¢ هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد . إنّه والله لا يرضي العرب أن تؤمركم ونبيّها من غيركم. ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلاّ من كانت النّبوّة فيهم¢ . فردّ الحباب بن المنذر ردّا صارما يشي بخطورة مسار المفاوضات يا معشر الأنصار: املكوا عليّ أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه. فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتم فأجلوها عن بلادكم وتولّوا هذا الأمر عليهم . فأنتم والله أولي بهذا الأمر منهم. فإنّه دان لهذا الأمر ما لم يكن يدين له بأسيافنا . أمّا والله. إن شئتم لنعيدنّها جذعة. والله لا يرد عليّ أحد ما أقول إلاّ حطّمت أنفه بالسّيف. إنّ رفض اقتسام السّلطة كاد يؤدّي إلي سحب السّيوف وإعلان الحرب. ولم تختلف رواية الطّبري عن رواية ابن قتيبة. فقد تنافس الجمع وارتفعت الأصوات معلنة عدم الرّضا. وممّا تقدّم. نتبيّن أنّ اجتماع السّقيفة كان اجتماعا خطيرا كاد ينحو منحي يغيّر وجه التّاريخ» فقد ورد الحديث عن الحرب في مناسبات عدّة. ولم تهدأ الأمور إلاّ بفضل حكمة بعض المسلمين. ونلاحظ أنه مع كل هذا الحوار. والجدل. فإننا لم نسمع سعد بن عبادة ولا مرة منذ دخل المهاجرون في أول اللقاء. لم يطلب لنفسه. ولم يبرر. ولم يقل قد بايعني قومي. ثم لاحظ أن الأنصار مع كل هذا الحوار الطويل. لم يذكروا ولو مرة واحدة منًّا علي المهاجرين. ولا تفضلاً عليهم. لم يقولوا مثلاً: جئتمونا مطرودين فآويناكم. فقراء فأغنيناكم. محتاجين فأعطيناكم. وهذا كله واقع صحيح. ولكن أدب وخلق الأنصار أغلق أبواب الشيطان. كما نلاحظ أيضًا أن المهاجرين لما طلبوا الإمارة فيهم. لم يقولوا ولو لمرة واحدة أنهم أفضل من الأنصار. أو أن كفاءتهم القيادية. أو الإدارية. أو الأخلاقية. أو الروحية أكبر من كفاءة الأنصار. أبدًا. كل ما يريدون ترسيخه هو فقه الواقع. الواقع سواء كان حلوًا. أو مرًّا يقضي بأن العرب لن تطيع إلا لقريش الآن. وبعد عشر سنين. وبعد مائة سنة. وما دام الواقع لم يحل حرامًا. أو يحرم حلالاً. فلا بد من مراعاته. تغليب المصلحة العامة يقول الدكتور محمد نبيل غنايم . استاذ الشريعة الاسلامية بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة : كان اجتماع السقيفة نموذجا لتغليب المصلحة العامة للمسلمين علي المصلحة الخاصة.ورغم الخلاف الذي ساد بين المجتمعين الا انهم في النهاية اتفقوا علي خليفة واحد ولم يحكموا امرهم للسيف والا كانت الفتنة الكبري وربما كنت سببا في تمزق الدولة الاسلامية الي دويلات والي قبائل وفرق. واضاف: كانت هناك معان جميلة وفاضلة حرص عليها الصحابة رضوان الله عليهم في اجتماعهم بالسقيفة. وان الخلاف الذي وقع بينهم هو خلاف مشروع وطبيعي وانهم حرصوا علي الحل في اطار من السلمية وعدم العنف. وقال الدكتور غنايم : من هنا نقول لمن يتخذ من العنف منهجا وسبيلا للحكم إن هذا المنهج غير مقبول ولا يوجد له حجة أو سند او دليل. ولا يمكن أن يستقيم الحكم علي اشلاء الضحايا وفوق الدماء ويجب تغليب لغة العقل والحكمة والحوار. دوامة العنف يقول الدكتور محمد رأفت عثمان .عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: تعيش مصر الآن دوامة من العنف طمعا ورغبة في السلطة. ونشهد تفجيرات وحوادث قتل واعتداء علي الجنود والضباط وغيرها من الجرائم. وهي أمور غير مقبولة في الشريعة الاسلامية التي تحرم قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق. واضاف : ان الصراع علي السلطة يكون من خلال الطرق المشروعة لا من خلال العنف والقتل ومانشهده حاليا من منع للطلاب من دخول الامتحانات وهي امور كلها مخالفة للاسلام. وأني كلامه مؤكدا ان الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا واحتدوا وارتفعت اصواتهم ولكنهم في النهاية استمعوا لصوت العقل والحكمة وجنبوا البلاد والعباد ويلات الحرب وتقسيم الدولة. وهو ماكان يمكن ان يحدث وقتها. تجنب الدماء يقول الدكتور عادل عبد الشكور. امام مسجد عباد الرحمن بالقاهرة : موجات العنف المتصاعدة لجماعة الاخوان المسلمين بلغت حدا كبيرا غير مقبول أبدا. وهذه الدماء المتناثرة هنا وهناك لن تقيم حكما والعنف لن يؤسس دولة ابدا. واضاف: في اجتماع السقيفة كان من الممكن ان يكتب نهاية دولة الاسلام لو أن الصحابة غلبت عليهم عصبيتهم ونزعتهم القبلية ورفعوا السيوف لبعض. ولكنهم جنبوا البلاد ويلات الحروب وكانت خطبة أبوبكر الصديق لها دور كبير في تهدئة النفوس. وفي النهاية اتفقوا علي شخص ابو بكر الصديق رضي الله عنه. وقال : العنف لن يفيد ابدا مهما طال وفي النهاية النصر للشعب ويجب ان تهدا الامور والا فان دوامة العنف ستقود الي خراب وويلات لن نقدر عليها.