أكدت دراسة نفسية حديثة أن الحاجة للانتماء من الاحتياجات النفسية الأساسية للإنسان وبصفة خاصة في مرحلة المراهقة التي تتكون فيها ملامح شخصياتهم وتتحدد أيضاً توجهاتهم نحو المستقبل. ولذلك فإنه يجب علي كل من مؤسسات الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة ودور العبادة أن يتعاونوا وتتضافر الجهود بكل صدق وجدية لاشباع تلك الحاجة إلي الانتماء لدي الأطفال والمراهقين قدر الإمكان لما يترتب عليها من سلوكيات طيبة ومرغوبة يجب أن يسلكها الطفل منذ صغره وطوال مراحل عمره. جاء ذلك في الدراسة التي أجراها د. جمال شفيق أحمد استاذ العلاج النفسي ورئيس قسم الدراسات النفسية بجامعة عين شمس. أوضح أن الانتماء وحب الوطن مفهومان مترابطان متشابكان متكاملان فالوطن والحياة والأسرة والأهل والأصدقاء والجيران والمآوي والعزة والكبرياء والكرامة. وحب الوطن هو شعور وجداني وهو من أخلاق الأنبياء الذين أكدوا أن حب الوطن من الإيمان وهو من الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالي الناس عليها والأدلة كثيرة ومتعددة لعل من أهمها قول النبي صلي الله عليه وسلم قاصداً مسقط رأسه مكةالمكرمة "ما أطيبك من بلد وأحبك إليَّ. ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك". لذلك فإن محبة الإنسان لوطنه وعاطفته نحو الأرض التي نشأ علهيا وتربي في ربوعها وتنفس هواءها وشرب من مائها وأكل من خيراتها هو أمر فطري وشعور أصيل وعاطفة انسانية تنشأ مع وجود الانسان. فالأصل في مشاعر الإنسان تجاه وطنه العزيز ان يحبه ويتمسك بالعيش فيه وتتحول في الموطن الصالح إلي سلوك ايجابي بناء. وفي ذات السياق فإن الانتماء حاجة نفسية لدي الإنسان تنمو معه منذ الشهور الأولي في حياته وذلك من خلال الألفة والمحبة والود التي تمنحها الأسرة للطفل والتي تتوسع إلي دائرة الانتماء للجماعات الأخري التي يجد فيها اشباع حاجاته إلي الأمن النفسي والعاطفي والاجتماعي. وعموماً فإن الانتماء يعد المحرك الرئيسي لكل أنماط السلوك والعمل في سبيل هدف مشترك والروح المعنوية والعمل الجماعي بروح الفريق والتعاون مع الغير والوفاء للمجتمع والوطن والعطاء والتضحية والايثار وهو الحافز للنهوض بالانسانية نحو مستقبل أفضل. بئر الخيانة وحذر د. شفيق من ان أخطر ما يهدد حياة أي مجتمع هو فقدان الانتماء حيث يؤدي إلي انتشار مظاهر الأنانية والسلبية والانعزالية والحقد والانتقام وسيطرة المشاعر والسلوكيات العدائية والعدوانية وتدمير الممتلكات العامة والخاصة والهجرة غير الشرعية ووجود أمراض نفسية كالقلق والاكتئاب وانخفاض الثقة في النفس والآخرين واضطرابات في الشخصية وسوء التوافق النفسي والاجتماعي. وقد يصل الأمر في اسوأ وأبشع صورة إلي درجة خيانة الوطن والتآمر ضده. أو المشاركة في حرقه وتدميره. وأكد ان تخلي أو تهاون المؤسسات الاجتماعية في أداء وظيفتها أو دورها أو رسالتها المنوطة بها فإن ذلك ينتهي بالتسبب في وجود ضعف وخلل في شعور المراهقين والمراهقات بالانتماء والمشاركة. وتظل طاقات هؤلاء المراهقين حبيسة ومعرضة للانفجار تحت وطأة الحرمان وعدم الاشباع ويصبح المراهقون أمام ثلاثة بدائل هي: إما ان يتحولوا إلي السلوك المنحرف الإجرامي والتدميري ضد كل أبناء المجتمع والمؤسسات العامة والخاصة. وإما ان يمارسوا السلوك الانتهازي الهمجي باعتبار ان الغاية تبرر الوسيلة. أو ينزووا وينسحبوا من الحياة الاجتماعية نهائياً ويغتربوا عن المجتمع ولا يشعرون بالانتماء إلي أي شيء فيه. مقويات الانتماء ويري د. شفيق ان تقوية روح الانتماء تكون بالتسلح بالعلم حتي نرقي بالوطن وغرس حب الوطن في نفوس المراهقين. المشاركة في نهضة الوطن والدفاع عنه بالقول والفعل والمال والمحافظة علي الممتلكات العامة والمرافق كالمواصلات العامة والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والطرق والكباري ومحطات المترو. الاعتدال في الانفاق وترشيد الاستهلاك للحفاظ علي ثروات الوطن. والمحافظة علي أمن الوطن واستقراره.. والمشاركة الايجابية في الأنشطة المدرسية. أيضاً المساهمة في مكافحة الأمية والمحافظة علي المناطق السياحية والقيم الدينية والأخلاقية وضرورة شراء المنتجات الوطنية "صنع في مصر". وضرورة نبذ العنف والتعصب والتطرف واعتماد العقلانية والموضوعية في التعامل مع المشكلات. أهمية التصدي للشائعات المغرضة والمشاركة الفعالة في الأعمال التطوعية والخيرية وضرورة تعلم طرق التعبير عن الرأي.