لأدلة النبوية العملية علي الرحمة كثيرة.. أهمها اللين: فكن ليناً بمن تنصحه. هل رأيتم يا إخوة طبيباً فتح عيادته الخاصة للمرضي. حتي إذا دخل عليه مريض طرده؟ لأنه مريض؟ هو ما فتحها إلا لمرضي . فأنتم يا من منَّ الله عليكم بالسنة. والعقيدة الصافية. والفهم الراقي. فأنتم أطباء لمرضي القلوب. والنفوس. ولمن انحرفوا عن الحق والمنهج. افتحوا قلوبكم وصدوركم إلي إخوانكم قبل أن تفتحوا مساجدكم وبيوتكم ومجالسكم. وابذلوا لهم النصيحة بهذه الضوابط والشروط. إن الله يأمر موسي وهارون أن يذهبا إلي فرعون: "اذهبا إلي فرعون إنه طغي. فقولا له قولاً ليناً" طه: 4443. قرأ سيدنا قتادة هذه الآية وقال: يارب! تأمر موسي وهارون أن يقولا لفرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلي" النازعات:24. أن يقولا له قولاً ليناً؟ فإن كان هذا هو حلمك بفرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلي" النازعات: 24. فكيف حلمك بعبدي قال: "سبحان ربي الأعلي"؟ وأنا أقول: إن الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا. والحديث في صحيح مسلم. مرت بعي من بغايا بني إسرائيل علي كلب يلهث الثري من العطش. فعادت إلي بئر ماء فملأت خفها بالماء وقدمته لكلب فشرب. يقول النبي: "فغفر الله لها بذلك" أقول: إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا لبغايا. فكيف تصنع الرحمة بمن وحَّد رب البرايا؟ النصيحة والتناصح. بأدب وتواضع وحكمة ورحمة ولين. إن وجدت أخاك علي خطأ أدن منه واقترب. وقل له: أخي! أحبك والله في الله. قال الله كذا. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم كذا. الحق الرابع: لتناصر وهذا من الحقوق الكبيرة التي ضاعت من حقوق الأخوة. روي البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "انصر أحاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله! عرفنا كيف ننصره مظلوماً. فكيف ننصره ظالماً؟ قال: أن تكفه عن الظلم فذاك نصره" إن وجدت أخاً من إخوانك مظلوماً. وكنت قادراً علي نصرته انصره. وإن وجدت أخاً من إخوانك ظالماً انصره بكفه عن الظلم. ولو ضاع هذا الحق غرقت سفينة المجتمع. واستشرت المنكرات.. كما قال النبي صلي الله عليه وسلم . والحديث في صحيح البخاري من حديث النعمان: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها. كمثل قوم استهموا علي سفينة. فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها. فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقناو فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً. ولو أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعاً". فيجب علي الأخ أن يأخذ علي يد أخيه. وأن ينصره إن كان ظالماً أو مظلوماً لتنجوا سفينة المجتمع. وإلا لهلكت السفينة. وهلك الصالحون مع الطالحين. فلا تظن أن الذين سينجون هم الصالحون فحسب! ا.. أو أن الذي سيهلك هم الطالحون فحسب؟ لا. روي البخري ومسلم من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً. وفي لفظ: قام من نومه يوماً من عندها فزعاً وهو يقول: "لا إله إلا الله! ويلى للعرب من شري قد اقترب. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق النبي صلي الله عليه وسلم بإصبعيه بالسبابة والإبهام فقالت زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال المصطفي صلي الله عليه وسلم : نعم. الحق الخامس: الستر والتغافر روي أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث أبي برزة الأسلمي أن الحبيب النبي صلي الله عليه وسلم قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولمَّا يدخل الإيمان قلبه. لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم. فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف رحله". أسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة.. والناس صنفان. صنفى مشهورى بالصلاح وبالتُقي. لكنه زل. فليس ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. فمن حقه علي إخوانه أن يستروا عليه.. وصنفى مشهورى بالفسق مجاهرى له. فهذا لا غيبة له. إن كان لم يتذكر. وإن نصح لم ينتصح.. الستر والتغافر وإن زل أخوك وأخطأ في حقك وأتاك فلا ينبغي أن تتعنت في حقه وأن تتفرعن عليه. وأن تقول: لا. لا أعفو عنك. ولا أقبل عذرك. إنما ينبغي أن يغفر الأخ لأخيه. فالستر والتغافر من أجل وأرقي الصفات التي تدعم أواصر الأخوة بين الإخوة في الله. الحق السادس: الإعانة علي قضاء الحوائج روي مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من فرَّج عن مؤمني كُربة من كُرب الدنيا فرَّج الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة" ومن يسَّر علي معسري يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" فإن منَّ الله عليك بمنصب أو بوجاهة وأتاك أخوك لتشع له فاشفه له. وإن طلب منك عوناً فأعنه. وإن أراد مصلحة وكنت قادراً فيسَّرها له. ومن استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. وأرجو في المقابل إن ذهب أخ إلي أخيه وطلب منه مصلحة ولم يقدر الله عز وجل لهذا الأخ أن يعيِّن أخاه فينبغي أن يعذره. أتمني أن لو قدم الأخ لأخيه طلباً للتوظيف مثلاً. أو معونة مادية أو لأي مصلحة. وقال له: أخي في الله! هذه حاجتي إليك. فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك. وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك. فإن الأمور كلها تجري بمقادير الله. ما أجمل هذا الفهم! وما أرقي هذا الظن! الطريق إلي الأخوة ما الطريق إلي الأخوة؟ الطريق الأول: العودة الصادقة إلي أخلاق هذا الدين. فأنا أقول لكم أيها الأحبة إننا لن نعيد الإخوة والعقيد بالمحاضرات الرنانة. ولا بالمجلدات ولا بالأشرطة فحسب. إن المنهج النظري الإسلامي المنير العظيم. سيظل محبوساً بين المجلدات وعبر الأشرطة. ما لم يتحول هذا المنهج في حياتنا إلي منهج حياة. وإلي واقع عملي. وأنا أقول: لقد استطاع النبي صلي الله عليه وسلم أن يقيم للإسلام العظيم دولة من فتات متناثرة. فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء. أقام دولة أذلت الأكاسرة. وأهانت القياصرة. أقام دولة حولت الصحابة من رعاة للغنم إلي قادة للأمم وتدبر معي وذلك يوم أن نجح المصطفي صلي الله عليه وسلم في طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج التربوي الإسلامي العظيم. ولكنه صلي الله عليه وسلم لم يطبعها بالحبر علي صحائف الأوراق. وإنما طبعها علي صحائف قلوب أصحابه بمداد من التقي والنور. فانطلق الصحابة ليحولوا هذا المنهج علي أرض الواقع إلي منهج حياة. وواقع يتألق سمواً وروعة وعظمة وجلالاً. وإن أعظم خدمة نقدمها اليوم لديننا أيها الأحبة أن نشهد للإسلام شهادة عملية علي أرض الواقع. كلى في موطن إنتاجه وموطن عطائه. فنحن لا نريد أن تتحول الأمة كلها إلي دعاة علي المنابر. وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها إلي دعاة لدين الله كلى في موقع نتاجه وعطائه. بحسب ما منَّ الله عز وجل به عليه من قدرات وطاقات. ثم السبيل الثاني أن نتحرك بين الناس. بعد أن نحول أخلاق هذا الدين في حياتنا إلي واقع أن نتحرك بين الناس لدعوتهم إلي هذا الدين العظيم. وإلي أخلاق هذا الدين العظيم. وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جلا وعلا أن يردنا إلي هذه المعاني رداً جميلاً. وأن يأخذ بنواصينا إليه. وأن يرد إلي الأمة عزها ومجدها وكرامتها. وأن يؤلف بين قلوبنا. وأن يوحد بين صفوفنا. وأن يشف صدور قوم مؤمنين. وأن يعز الإسلام والمسلمين. وأن يتقبل منَّا ومنكم جميعاً صالح الأعمال. واسأله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطي وإذا دُعي به أجاب. أن ينصر الإسلام والمجاهدين في كل مكان. وأن يقرّ أعيننا بنصرة الإسلام. وأن يجعل هذا البلد الكريم سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين. وأن يتقبل منَّا ومنكم جميعاً صالح الأعمال.