من حق الرئيس أن يتنازل عن كل حقوقه الشخصية. لكن لا يجوز له أن يفرِّط في ذرة من حق مصر عليه أرضًا وشعبًا وتاريخًا وحضارة. وأمنا واستقرارا. فالحلم في حقوقه الشخصية يزيده رفعة ورقيا لقول الله تعالي: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" "الأعراف:199". وقوله تعالي: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةى كَأَنَّهُ وَلِيّى حَمِيمى * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظّي عَظِيمي" "فصلت: من الآية34و35". لكن حق مصر يوجب الحزم لا الحلم لأن الله تعالي الذي أمر نبيه صلي الله عليه وسلم بقوله تعالي: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" "الحجر: من الآية 88". هو الله الذي أمره أن يتعامل مع الكافرين والمنافقين بالحزم والقوة. فقال تعالي مرتين في التوبة والتحريم بلفظ واحد تأكيدا علي أهمية الأمر: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" "التوبة:73" ولا يجوز ديانة ولا سياسة أن يعامل اللئام بما يعامل به الكرام. وقد قال المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا الشعب المصري مليئ بالكرام من المؤيدين والمعارضين. ممن انتخبوك وممن انتخبوا غيرك. من الإيجابيين في كل المواقف ومن الذين ينتظرون ماذا ستُسفر عنه التجربة الجديدة لحكم الإسلاميين. وهم علي استعداد أن يغيروا مواقفهم من المتفرجين إلي الفاعلين. إذا وجدوا قوة في إدارة الدولة تعصمهم من المرَّوعين والبلطجية من القلة في المجتمع. والمسعورين في الشاشات الذين لم ينبس أحدهم ببنت شفة أيام الاستبداد والفساد. والآن يسيئون إليك - وحقك أن تعفو - لكنهم سعَّروا الحرب. وحرضوا علي العنف. وحوَّلوا الشعب إلي الترقب والترصد. والخوف والفزع. والجبن والهلع. والسب والشتم. والجحود والإنكار. والجدال والإصرار. والثورة علي كل شيء. ولم يسبق أن حوصر المشايخ في المساجد وأُلقيت عليهم وعلي بيوت الله الحجارة. وتم نزع حجاب الفتيات في الشوارع. وقتل أبرياء بيد مجرمين صغار يدفعهم أكابر مجرميها في "تِسْعَةُ رَهْطي يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" "النمل: من الآية48". وبيع السولار والبنزين المسروق من بقايا النظام السابق في دول الجوار بأسعار مخصوصة. وعمدوا إلي الفضيحة لا النصيحة. والتجريح لا التصحيح. وحرقوا كابلات الكهرباء وتفننوا في تهريب الأموال المنهوبة للخارج. وأدخلوا الأموال القذرة من أسيادهم للانقلاب علي الشرعية بغير ما أقره الدستور. وجرائم من العيار الثقيل. وقد أغراهم حلمك فمالوا عن الحق. وعاثوا في مصر قتلا وفسادا. وإرعادا وإرهابا. وأصابوا من عقول الناس حيرة واضطرابا. ومن أهوائهم تحللا وتمردا. وصار نخاع الشعب المصري يصرخ في كل مكان داخل وخارج مصر قوم محبون لك ولمصر يقولون يا سيادة الرئيس: افعل شيئا قويا يتوازي مع إفسادهم وعنادهم وافترائهم وتضليلهم. كفي حلما علي المجرمين. كفي عفوا عن الفاسدين. كفي صبرا علي العتاة المجرمين. كفي تراخيا مع الخونة المأجورين. كفي تهديدا شفويا دون سيف السلطة "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " "الأنفال: من الآية60". كفي تشويها لمصر في العالمين. كفي تطفيشا للسائحين والمستثمرين. لقد كانت الشرطة التركية أسبق من وعيد أردوغان. وفي مصر لم يجد المجرمون من السلطة ما يرد إليهم صوابهم فتمادوا في شرورهم. ويهددون البلد كلها بحرب داخلية لا يعلم إلا الله مدي خطرها. يا فخامة الرئيس - الذي نحسبه من أتقي عباد الله ولا أزكي علي الله أحدا- لقد كان مشهورا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أحلم وأرق الناس. فلما مات النبي صلي الله عليه وسلم أخذ حزم النبي صلي الله عليه وسلم . ووقف أمام تهديد عمر بقتل من يزعم أن محمدا قد مات. فبين الحق في قوة نادرة. ولم يصغِ لكبار الصحابة الذين يريدون عزل أسامة بن زيد وإيقاف جيشه فقال حازما عازما: ¢لأنفذن جيش أسامة أو تنفرد سالفي "تُقطع رقبتي"¢ . وسيَّر أحد عشر جيشًا بالتوازي لا التوالي في وقت عصيب لحرب المرتدين. وقال لعمر لما تردد في الأمر خوفا من انتشار الردة في معظم القبائل. وقلة الثابتين علي الحق فأمسكه أبو بكر قائلا: ¢أجبَّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام يا عمر؟!!! والله لو منعوني عقالا "حبل ماعز" كانوا يؤدونه إلي رسول الله لقاتلتهم عليه¢. وانتصر أبو بكر في كل المعارك في 21 جيشًا وذلك باعتماده علي الله. ثم حزمه مع المنافقين والمرتدين والمحاربين. وهناك ملايين من الشعب المصري تنتظر قرارات حازمة. وستكون الأغلبية معك حرسًا وجيشا وشرطة وشعبًا وقوة رادعة تُنسي هؤلاء وساوس الشيطان. كما قال سيدنا أبو بكر لما تعددت المعارك دون حزم مع الرومان: ¢والله لأبعثن علي الرومان من يُنسي الرومان وساوس الشيطان¢. وأرسل خالد بن الوليد فأنهي الاحتلال الروماني إلي يوم الدين. يا فخامة الرئيس لا يخفي عليكم أن منهج القرآن يوجب التحرك قبل الحدث لمجرد أخبار ظنية أن هناك خيانات دون انتظار لأمور يقينية. ومن ذلك قوله تعالي: "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمي خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَي سَوَاءي إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ" "الأنفال:58". وعليه فلا يجوز الانتظار حتي يكون الشك يقينا والظن حقيقة. بل تجب المبادرة القوية فإن الدفع أهون من الرفع. كما يقول إمام الحرمين الجويني. والوقاية خير من العلاج كما يقول الحكماء. فنسألك بالله الذي بوأك هذا المقام. وولاَّك قيادة مصر في أحرج فترة أن تتقدم بقرارات رادعة للقلة من دعاة العنف والتضليل والانقلاب علي الشريعة والشرعية. وليس للمعارضين السلميين. يا فخامة الرئيس معك قوة الله. "وَاللَّهُ غَالِبى عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" "يوسف: من الآية21". ومعك ملايين الأحرار الأبرار ومصرون أن يكملوا معك المشوار. وما يوم رابعة العدوية وجامعة القاهرة منا ببعيد. فاضرب بيد من حديد حزما مع المجرمين. ووفر حلمك لمن يستحقه من جماهير كرام المصريين. والله معك كما قال تعالي: "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" "الأنفال: من الآية 62".