جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية اعتراف بأنها تموِّل بعض مؤسسات المجتمع المدني في مصر» لتحقيق أغراضها في تفتيت أواصر المجتمع وزرع الفتن بين طوائفه. وفي تقارير رسمية أخري تبين أن هناك جهات أجنبية ترسل معونات مشروطة بتحديد النسل ومنع الختان ومنع تعدد الزوجات وبالمساواة بين الذكر والأنثي في كل شيء. وتطبيق مواثيق الأممالمتحدة التي تستهدف أخلاق الأمة وهويتها. وأن هناك ميزانيات غربية تخترق بها الإعلام المصري. وأن بعض السفارات الأجنبية تتعامل ماديًّا ومعنويًّا مع بعض الأقلام والبرامج التغريبية. وأن هناك اتفاقات دولية وقّعت عليها مصر منذ ثلاثين عامًا. وعقدت من أجل تفعيلها مؤتمرات بالقاهرة وبكين وغيرهما. ولا أظن أن وزارة الخارجية المصرية أو الجهات الرقابية تجهل ما يدخل مصر أو يخرج منها من أموال وتحركات» فقد كان لدي الدولة أجهزة لأمن الدولة وللأمن القومي وللكسب غير المشروع ولغسيل الأموال ولغيرها. والمفروض علي أي دولة أن تحفظ شعبها من التدخل الأجنبي.. ذلك أن لا أحد يبذل شيئًا دون أن يكون له هدف من وراء بذله. وهذا الهدف لا يمتّ إلي المروءة أو الإنسانية بسبب» فهم لا يؤمنون بالجزاء الأخرويّ الذي يحفِّز صاحبه علي مساعدة الآخرين ابتغاءَ مرضاة الله ونعيم الجنة. وكثيرًا ما حدثنا القرآن الكريم عن وجود ¢فئة¢ في الصف المسلم تتعاون مع الأعداء. يسمِّيها الإسلام ب¢المنافقين¢. ويسوِّي بينهم وبين العملاء والخونة. فيقول سبحانه: "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا" "النساء: 139". ويقول: "لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءي إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَي اللَّهِ الْمَصِيرُ ""آل عمران: 28". أليس من حق هذا الشعب أن يدرك وقد تبيَّن له -بعد أن قضي علي التعتيم الإعلامي. وبعد أن كشف الظالمين واللصوص الذين نهبوا ثروة مصر وأودعوها في حساباتهم الخاصة والسرية في بنوك الغرب- أن علي بلده خطرًا في اتصال هؤلاء المنافقين بهذه الجهات المشبوهة؟! وأن كلماتهم ومقالاتهم وآراءهم التي تبث الآن في وسائل إعلامنا -كما كانت قبل سقوط النظام- تنبئ عن استمرار تلك العلاقة الآثمة؟! أليس من حق هذا الشعب أن يحاسب كل مواطن علي ثروته وعلي علاقاته الضارة بأعدائه بمبدأ من أين لك هذا؟! ومبدأ المواطنة الحقيقية؟! في ظل الاوضاع الحالية قد يتم طرح سؤال هل مات المشروع الإسلامي ؟ .وقد يتشاءم كثير من المتابعين للمساجلات الفكرية التي تدور علي الساحة الإعلامية حول صلاحية التشريع الإسلامي لإحداث تغيير ثقافي وفكري وتنموي في المجتمعات البشرية في عصر العلم والحضارة الغربية. حيث يدعي دعاة المشروع الغربي أن النظام الإسلامي قد استنفد طاقاته في العصور الوسطي. وسلّم الراية للفكر الحديث. ولم تعد له قدرة علي حمل العلم من جديد. ويضعون النماذج الواقعية في دول العالم دليلاً علي ذلك. من حيث هيمنتها علي اكتشاف ما حقق للإنسان رغده وتمتعه بالرفاهية ومعطيات التقنية الحديثة. ويتساءل أصحاب المشروع الإسلامي عما قدمته هذه الحضارة المادية إلي النفس الإنسانية.. هل انتهي السعار والجشع والطغيان؟ هل قضي علي السطو والنهب والعدوان؟ هل أمن الإنسان علي نفسه وعرضه وماله ووطنه؟ هل تحقق بين الأفراد في أي مجتمع من هذه الدول تراحم وإخاء ووئام؟ هل روعيت حقوق الإنسان مع بقية شعوب العالم؟.. هل قضي علي العنصرية والعصبية والطبقية والانتهازية؟ هل وصل أغني أثرياء العالم إلي السعادة النفسية والقناعة الروحية؟ هل وزعت خيرات الأرض وكنوزها علي سكان هذه المعمورة بما يكفي ضروراتهم ويمنع ثوراتهم ويسدّ جوعاتهم ويستر عوراتهم؟ هل تحركت المشاعر الإنسانية لدي القادرين نحو الضعفاء واليتامي والمساكين؟ أي حضارة تلك التي تبشرون بها. قطيعًا يستولي علي السلطة والثروة لمصلحته الخاصة فيما يُسمّي بالرأسمالية الحرة المستبدة. ويظل في تناحر وصراع مع الطبقات المهمشة. وتسقط الضحايا البريئة في هذا الصراع. ويتمتع الكبار بسكب دماء المستضعفين ونهب أموال المساكين؟!! لقد ظهرت في بعض برامج المشروع الإسلامي بوارق أمل تعتمد علي واقع ملموس للعامة والخاصة. تخرجهم مما يعانونه من فقر ومهانة ومذلة. وتبوِّئهم مكانة مرموقة في عالم التقدم الصناعي والزراعي والتقني والحضاري» تنفيذًا لأوامر الخالق الوهاب الذي سخر كل ما في السموات والأرض لهذا الإنسان من رمال يستغلها أعداؤنا في الصناعات. ومعادن تذهب خيراتها إلي غيرنا ونحن أولي بها..ومشروعات متوقفة عن عمد وإصرار تكفي لتشغيل الطاقات العاطلة واستخراج الكنوز المدفونة. وبحار وأنهار بها من الإمكانات الهائلة ما يسد ضرورات الحياة من مطعم وتجارة وخدمات. وصحاري مترامية مستعدة لإنبات ما تحتاج إليه الأمة بأقل تكلفة بشرية ومادية. وسماء صافية تشرق عليها شمس دائمة تنتج طاقات حرارية تدير المصانع والمعامل والمحركات. ومساقط مائية تضيف إلي الطاقة مددًا لا ينفد.ومع كل هذه المزايا المادية تملك أمتنا ما لا يملكه العالم أجمع..إنها تملك الوحي الخاتم الذي يجمع شتات النفس البشرية بحكم صدوره ممن خلق وعلم ما توسوس به النفس. وما يعتمل فيها من نوازع ورغبات. ويعلم كوابح هذه النزوات. ويشرع لها ما يوازن بينها وبين غيرها: حرية منضبطة. وعدالة ناجزة. وتراحمًا يرتقي إلي تنزل رحمات الله. وإخاء تتكامل فيه كل الطاقات لخدمة الصالح العام. وحكمًا يرعي في الشعب مشاعره وكرامته. يراقب الله في كل تصرفاته ويستحضر لقاءه وسؤاله. ولا يغتر بسلطانه وسطوته. ولا يخضع لرغبات حاشيته. يحاسب نفسه ويحاسب غيره بالقسطاس المستقيم. وبهذا وذاك ينتظم المسار: رخاء ماديًّا. وراحة نفسية. وتواؤمًا مجتمعيًّا. ونهضة شاملة في كل مجالات العلم والثقافة والحضارة. وتفاعلاً مع كل شعوب الدنيا» لتحقيق السلام الدائم والاحترام المتبادل في ظل الإخوة الإنسانية العامة التي نادي بها رب العزة في قوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَري وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى خَبِيرى" "الحجرات: 13". إن أمتنا لو تقاعست عن هذا المشروع بعد أن ظهرت معالمه في المناقشات التي جرت. فستتحرك له قُوَي أخري لتجربته ولو من باب الاختبار. وسيتحقق قوله تعالي: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" "محمد: 38". وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمي يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةي عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةي عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمي ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعى عَلِيم" "المائدة: 54".