إن الحسد من كبائر الذنوب. وهذا في حد ذاته كاف لاقتلاع الحسد الهدام من المؤمن الحق. فضلاً عن أن الدين أتاح سبيلاً لتحويل الحسد من قوة هدامة إلي قوة إيجابية بناءة عندما حث علي التنافس الشريف دون تمني زوال النعمة عن الآخر إيماناً بقسمة الله العادلة بين عباده. وإيماناً بنظرية التعويض التي تنص علي أن الله سيعطي كل ذي حق حقه. في الآخرة. وسيعوضه عن كل ما يستحق التعويض عنه.. هذا عن إجابة الدين. أما إجابة الفلسفة. فهي ليست إجابة واحدة مطروحة عند كل الفلاسفة. لأن الفلسفة ما هي إلا إجابات متنوعة بقدر تنوع الفلاسفة. ومن أفضل الإجابات التي قدمها الفلاسفة. تلك الإجابة التي طرحها الفيلسوف برتراند رسل. حيث يقترح بالنسبة للمؤمن الصالح علاج "اللاذاتية". وإن كان الحسد أو الغيرة علي نحو من الأنحاء أمراً غير مستحيل الوقوع تماماً بين المؤمنين. وإذا ما تركنا الصالحين جانباً وأخرجناهم من حسابنا. فإن رسل يري أن علاج الحسد لدي الرجال والنساء هو "السعادة" والصعوبة هنا مصدرها أن الحسد نفسه عقبة رهيبة تعترض الوصول إلي السعادة. والحسد يكبر وينمو في فترة الطفولة. فالطفل الذي يري أخاً أو أختاً فضلاً عليه أمامه يكتسب عادة الحسد. وعندما يكبر ويخرج إلي العالم يفتش عن المظالم التي يمكن أن يكون ضحيتها. ويدركها علي الفور إذا ما وقعت. بل ويتخيلها إذا لم تقع! مثل هذا الإنسان شقي لا محالة. وهو أيضاً مصدر ازعاج للآخرين. بيد أن الحسود قد يقول: "وما جدوي أن تقول لي إن علاج الحسد هو السعادة؟ فأنا لا أستطيع أن أجد السعادة ما دمت أشعر بالحسد. وأنت تقول لي إني لا يمكن أن أتوقف عن الحسد. إلا إذا وجدت السعادة". يجيب رسل عن هذا بأن الحياة الواقعية ليست مطلقاً بمثل هذه الدقة المنطقية. فمجرد إدراك المرء أسباب مشاعر حسده يعد خطوة كبيرة صوب شفائها. ولعل التفكير بأسلوب المقارنات هو المسئول عن جزء كبير من أسباب الحسد» والذي يعتاد مثل هذه العادة وإنما يعتاد عادة مميتة. لابد أن يقضي عليها فإذا حدث شيء سار وجب الاستمتاع به بأكمله وفي حد ذاته. بدون التوقف كي نفكر في أنه ليس مضاهياً في مسرته لشيء آخر لم نحصل عليه. والحسود دائماً يعقد المقارنات ويقول: "نعم.. اليوم مشرق مشمس. والوقت ربيع. والطيور تصدح. والأزهار متفتحة وناضرة. ولكني أعلم أن الربيع في صقيلة أبدع ألف مرة منه هنا.."! ويشعر وهو يفكر علي هذا النحو بأن الشمس غدت معتمة. وأن تغريد الطيور مجرد زقزقة ولغو فارغ. وأن ورد حديقته لا يستحق التفاتة لأن ورد حديثه أخري أروع! وهو يعامل سائر أفراح الحياة علي هذا النحو. فهو خليق أن يقول لنفسه: "أجل إن حبيبة قلبي جميلة. وأنا أحبها وهي تحبني. ولكن لابد أن ملكة سبأ كانت أملح منها كثيراً! آه لو كانت أتيحت لي الفرص التي أتيحت لسليمان!".. إن التفكير بأسلوب المقارنات علي النحو السابق. لهو أمر سخيف ولا معني له إلا الدلالة علي مرض ينبغي الشفاء منه. ويستوي في ذلك أن يكون سبب الحسد والشعور بالسخط ملكة سبأ أو أحوال الجيران! فكل ذلك لغو عقيم. والإنسان الذكي لا يقل فرحة بما لديه لأن شخصاً آخر أوتي ما يفوقه!. هذه إجابة فلسفية عن مشكلة الحسد التي تعتبر مسئولة عن خروج كثير من الشائعات حول الآخرين. نعم إن الحسد هو تلك الطبيعة البشرية الخسيسة التي لو تعمقنا فيها وجدنا أنها وراء كثير من دوافع إيذاء الآخرين سواء بالفعل أو بالقول. وهو ليس صفة عارضة أو أمراً هيناً. ولذلك فإننا قد استطردنا فيه بعض الشيء أملاً في الكشف عن جانب مظلم في الطبيعة البشرية كثيراً ما يسبب التعاسة سواء للحاسد نفسه أو للمحسود. وإذا ما نجح الإنسان في التغلب علي تلك الطبيعة. فإنه سيكون قد أسهم في إنضاب وتخفيف منبع كبير من المنابع التي تدفع لإصدار الشائعات وتناقلها. وعلي الإنسان الحكيم كي يكتشف سبل سعادته ونجاحه أن يدرك أن الدنيا واسعة. وفضل الله أوسع. وأن ما يلحق الآخرين من نعمة لن يقلل فرصة ما يمكن أن يلحقه من نعم. فعله أن يكبر عقله. كما عليه أن يوسع قلبه. ويتجاوز نواقص النفس البشرية.. كما يحظي بالحرية. وينعم بالتحرر من كل المنغصات. ويسهم في إرساء دعائم كون أفضل.