الوقت كنز إن صح استعماله وإدارته. وهو نعمة الله تعالي المهداة للجميع.. وهذه النعمة مقرونة بعقل يستفيد منها أفضل استفادة.. ولا تندهش أن تقدم الأمم يقاس بحسن استثمارها للوقت. فالأمة التي تقيم أمورها علي الوقت هي التي تملك أهدافاً وتسعي لتحقيقها.. راجية أن تكون خير أمة أخرجت للناس.. لقد صدق من قال: إن الوقت هو الحياة. وإنهما وجهان لعملة واحدة. فما الأيام إلا صفحات تقلب في كتاب حياتنا. وما الساعات في تلك الأيام إلا كالأسطر في صفحاتها. التي سرعان ما تختم الصفحة لننتقل إلي صفحة أخري. وهكذا تباعا حتي تنتهي صفحات كتاب العمر. وبقدر ما نحسن تقليب صفحات أيامنا تلك نحسن الاستفادة من كتاب حياتنا. الجدير بالذكر أن إدراك الإنسان لقيمة وقته ليس إلا إدراكا لوجوده وإنسانيته. ووظيفته في هذه الحياة الدنيا. وهذا لا يتحقق إلا باستشعاره للغاية التي من أجلها خلقه الله عزوجل. إن الوقت هو أغلي ما يملكه الإنسان. فهو كنزه. ورأسماله الحقيقي في هذه الدنيا. ويكفي الوقت شرفا وأهمية أن الله عزوجل قد اقسم به في كتابه العزيز. وأقسم ببعض أجزائه في مواطن عديدة. يقول الله تعالي: - "والفجر "1" وليال عشر" "الفجر: 1-2". - "والشمس وضحاها "1" والقمر إذا تلاها" "الشمس: 1-2". - "والضحي "1" والليل إذا سجي" "الضجي: 1-2". - "والعصر "1" إن الإنسان لفي خسر" "العصر: 1-2". فالله عزوجل يقسم بتلك المخلوقات ليبين لعباده أهميتها. وليلفت انظارهم إليها. ويؤكد علي عظيم نفعها. وضرورة الانتفاع بها. وعدم تركها تضيع سدي. ودونما فائدة ترجي في الدينا أو الآخرة. ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك. وصحتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك. وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك". ان تأكيد الإسلام علي إعطاء النفس حقها من الراحة والسعة دليل علي قيمة الوقت وأهميته في الإسلام. يقول الله تعالي: "وجعلنا نومكم سباتا. وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا" "النبأ: 9-11". يقول ابن كثير في تفسيره لقوله تعالي: "وجعلنا نومكم سباتا": أي قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار "7" وكأن النوم راحة إجبارية يتقوي بها الإنسان. وعن كيفية عمارة المسلم لوقته. يقول ابن القيم رحمه الله: "إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرب إلي الله. أو يعين علي ذلك من مأكل. أو مشرب. أو منكح. أو منام. أو راحة. فإنه متي أخذها بنية القوة علي ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه. كانت من عمارة الوقت. وإن كان له فيها أتم لذة". أن النفس الإنسانية تحتاج لفترة معينة لترتاح من عناء العمل والجد والسعي. والترويح. من المنظور الشرعي. هو: "نشاط هادف وممتع للإنسان. يمارسه اختياريا. وبرغبة ذاتية. وبوسائل وأشكال عديدة. مباحة شرعاً. ويتم في أوقات الفراغ". فالترويح في الإسلام أمر مشروع. بل ومطلوب. طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع. التي لا تخرجه - أي الترويح - عن حجمه الطبيعي. في قائمة حاجات النفس البشرية. فالإسلام دين الفطرة. ولا يتصور أن يتصادم مع الفطرة. أو الغرائز البشرية في حالتها السوية. ومما يؤكد علي مراعاة الإسلام لمبدأ الترويح في حياة المسلم. ما يروي عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله: "روحوا القلوب ساعة وساعة". يروي عن علي رضي الله عنه: "أجموا هذه القلوب. والتمسوا لها طرائف الحكمة. فإنها تمل كما تمل الأبدان". وما يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "أريحوا القلوب. فإن القلب إذا أكره عمي". وهكذا كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في حياتهم العادية. يعطون أنفسهم حقوقها من الراحة والترفيه. فلنجعل هذه الفترة من أوقاتنا. وغيرها أيضاً. فيما يرضي الله تعالي حتي يبارك لنا هذه النعمة لاسيما وأننا مسئولون أمام الله تعالي عنها. بقول رسولنا الكريم - صلي الله عليه وسلم -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن عمره فيما أفناه...".