تنوعت آراء علماء الدين حول تطبيق الناس للعقوبات علي المجرمين والمتهمين بأيديهم دون انتظار لأحكام القضاء والسلطة التنفيذية فالبعض يري أن القصاص بيد الحاكم ولا دخل للإنسان في هذا مهما حدث. في حين يذهب البعض الآخر إلي أنه وقت الفتن يجوز لولي الدم أن يأخذ حقه بنفسه لكنهم وضعوا ضوابط حتي لا يسيل الدم بحاراً ويشيع القتل بين الناس وهو ما حذَّر منه النبي صلي الله عليه وسلم واعتبره البعض من العلامات الصغري لقيام الساعة وناشدوا رئيس الجمهورية حقن الدماء وتوفير الأمن والأمان والقصاص من المجرمين والقتلة ليكونوا عبرة لغيرهم ويتحقق العدل بين الناس وفي السطور القادمة نعرض آراءهم. أكد الشيخ عادل أبو العباس من علماء الأزهر الشريف أن حرمة الدماء في الإسلام لا تعلوها حرمة. فهي أعظم عند الله عز وجل من حرمة الكعبة المشرفة وقد كفَّل جلَّ شأنه لولي الأمر أن يقيم الحدود علي أصحابها وعلي الذين يستحقونها طبقاً للأدلة اليقينية التي لا تدع ذرة شك والحاكم هنا هو القاضي في هذا الأمر. فالقضاء هو المنوط به تنفيذ الأحكام وفي العصر الحديث أصبحت السلطة القضائية سلطة مستقلة لها قدرتها في إصدار الأحكام علي المفسدين والخارجين علي القانون. افتراء علي الشريعة يضيف أبو العباس: أما ما يحدث اليوم بعد ثورة الربيع العربي من قيام البعض بتطبيق الأحكام من صلب وإشعال للنار وجلد ممن يزعمون أنهم يقومون مقام الدولة بحجة أن الدولة غائبة لذا أجازوا لأنفسهم تطبيق هذه الأحكام علي الخارجين علي القانون إنما هو محض افتراء علي شريعة الإسلام والشريعة لا تعطيهم أدني حق فيما يفعلونه أنهم سيأخذون الناس بالظن لأنه قد يشيع البعض أنه رأي داخل منطقته ثلاثة من اللصوص بينما هم أناس مسالمون لا ينتمون إلي اللصوص بصلة فيقوم الحمقي بناء علي ما تردد بالاعتداء عليهم وضربهم ضرباً مبرحاً قد يصل لحد القتل مرددين أنهم يطبقون عليهم الحد وقد يتطور الأمر إلي حرق جثثهم أو سحلهم وهنا لابد أن يكون لنا وقفة نحن علماء الدين ونقول بملء الفم: إن هذا اعتداء صارخ علي حق الله أولاً لأنه سبحانه وتعالي لم يعطهم هذ الحق.. كما أنه اعتداء علي حُرمة القضاء حتي لو كان القضاء في حالة استرخاء وتكررت الفوضي فلا يجوز لهم بأي حال من الأحوال القصاص لأنفسهم لأن بذلك سيسيل الدم بحاراً ولن يوقفه أحد. مصر بخير استطرد قائلاً: لم نسمع في تاريخ شريعتنا الغراء أيام الثورات المتعددة فيما كان يحدث السلب والنهب ويتصارع البشر لكننا لم نسمع أن الناس يطبقون حدود الله علي الخارجين علي القانون وعتدوا علي حُرمة اختصاص القضاء.. فمصر ما زالت بخير مهما كانت المشاهد توهم أنها في حالة حرجة ومازال بعض القضاة الشامخين يعملون بجد من أجل تطبيق القانون. إنما لا نريد أن نعيد أيام أن قطع بعضهم أذن بعض متوهماً علي غير علم ودين أن هذه شريعة الله بينما الشريعة من أفعالهم براء وناشد رئيس الجمهورية ورجال القضاء ورجال الشرطة وكل الجهات المختصة أن يغلقوا الباب في وجه هؤلاء الواهمين بكل ما اسطاعوا من قوة وأن يشعروا الناس أن القانون عاد ليطبق من جديد. جهل بالدين وصف أبو العباس الذين قاموا بالتمثيل بالجثث لاي لا يفقهون دين الله. لأن لكل جريمة حدها المنصوص عليه وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن يمثل بجثة من مثلوا بجثة عمه وأكلوا كبده فهل قلنا لهؤلاء الواهمين: أنكم بهذا تشوهون صورة الإسلام الذي رفع كرامة الإنسان حياً وميتاً والذي قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم : "كسر عظم الميت ككسره حياً.. فما بالنا بمن يقوم بهذه الطريقة الشنعاء من قتل وصلب وتمثيل بجثث وسحل ناس انهم هم من يجب علي القضاء محاكمتهم وتوقيع أقصي العقوبة عليهم حتي لا يتوهم البعض أنه يقوم مقام القاضي في منصته الخالدة. شيوع القتل أما الدكتور عبدالمهدي عبدالقادر الأستاذ بجامعة الأزهر فقال: إن شيوع القتل بين الناس من الفتن التي ظهرت في عصرنا الحالي وقد حذَّر مها النبي صلي الله عليه و.سلم حيث قال صلي الله عليه وسلم : لأصحابه: "ثم يكون الهرج" قالوا وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل".. كما أن شيوع القتل يعد من العلامات الصغري للساعة فلا يعرف لقاتل لماذا قتل ولا القتيل لماذا قُتل. .. فما نراه اليوم من قتل الناس لبعضهم البعض شيء يدعو للفزع والخوف وعلي الأمة أن تحرص علي أمنها وأمن أبنائها بكل ما أوتيت من قوة. أضاف: الذين يدفعون الأموال لتشيع الفتن داخل المجتمع ويستأجرون أناساً لقتل الأبرياء أن يفلتوا من عقاب الله وكل دم سال معلق في رقبتهم.. أما ولي الأمر فعليه ترتيب أجهزة الدولة وحثها علي العمل وتوفير الأمن والأمان لكل مواطن.. ويذكر في الأثر أنه لما قتل أحد الناس في اليمن وجيء لعمر بن الخطاب بخبره فترة خلافته قال لمن جاءه: "والله لو اجتمعوا عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعاً" هذا يدل علي أن من يتآمر علي قتل إنسان أياً كان عدد المتآمرين يعتبرون شركاء في الدم ويتحملون الذنب أمام الله عز وجل وياليتهم يتنبهون لهذا ويكفون عنه ويتوبون إلي الله لعله يتقبل منهم ويغفر لهم ويرحمهم. وقت الفتن أشار د.عبدالمهدي إلي أنه يجوز في وقت الفتن أن يأخذ كل إنسان حقه بيده وحينئذ لا عقاب عليه ولا يعد مجرماً ولا آثماً لقول الله عز وجل : "فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم" وكذلك قوله: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". فالأصل أن يكون القصاص في يد الحاكم حتي لا يحدث هرج ومرج.. لكن طالما أن أجهزة الأمن غير منضبطة وهذا مدعاة للحاكم أن ينضبط وإن لم يحدث هذا فيجوز للمسلم أن يأخذ حقه بيده ليرتدع المجرم ويكف عن إجرامه ويكون عبرة لغيره أوضح أنه لا يعترض علي دولة القانون كما أنه لا يشجع علي وجود قانون الغاب مشيراً إلي أن مصر لديها قوانين لا حصر لها لكنها كلها معطلة وغير مطبقة لذا لا فائدة منها. أمانة الكلمة وأكد الدكتور عبدالفتاح أبو الفتوح وكيل كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالقاهرة أن الشريعة الإسلامية في عمومها تحرم القتل وهذه قاعدة شرعية لا خلاف عليها حيث قال تعالي: من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. كما قال تعالي: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". قيل: لماذا يا رسول الله؟ فأجاب صلي الله عليه وسلم : "لأن كلا منهما كان حريصاً علي قتل صاحبه" فإذا استقرت النية بالقتل فكلاهما في النار.. لكن هناك فرقاً كبيراً بين من يقتل عمداً ومن يدافع عن نفسه وماله وعرضه وعمله فمن حق الإنسان الدفاع عن نفسه إذا ما هاجمه أحد وإن قتله فلا شيء عليه لأنه كان في حالة دفاع عن نفسه.. لكن ما يحدث في الشارع المصري ليس من الإسلام في شيء. فلا يجوز لأي إنسان أن يقتل غيره مهما كان الجُرم الذي ارتكبه الاخر ولا يجوز أن يؤذيه أو يضره.. أما أن يقتله ويصلبه ويمثل بجثته كما نري فهذا مرفض شكلاً وموضوعاً لأن من يقوم بالقصاص هو الحاكم أو من ينوب عنه حتي لا تنقلب الدولة لفوضي. وأرجع الدكتور أبو الفتوح ما يحدث في المجتمع إلي عدم تفعيل القانون لذا سادت شريعة الغاب وأصبحت لسان حال المجتمع. وإذا استمر الوضع علي ما هو عليه فسيقع كل ما هو مكروه. واستطرد: الوضع في مصر مخزي للغاية ومتناقض فإذا وضعت في موقف أي إنسان أصابه مكروه كأن يكون خطف زوجته أو ابنته فسوف أخالف ما أفتي به.. اذا نحن في أمس الحاجة لتفعيل القانون وتطبيقه ليأخذ كل ذي حق حقه ويتحقق العدل المفقود. وأشار د.أبوالفتوح إلي أن الصورة صارت مغلوطة في المجتمع وأصبح من قام بالثورة مُدان ولم يحصل أي إنسان علي حقه ككل فمنذ قيام الثورة ولم يحاكم أحد علي جريمة ارتكبها فمازلنا لا نعرف من قتل المتظاهرين وهذا مدعاة لهز الثقة في الشرطة والقضاء وشيء ملح لأن يأخذ كل إنسان حقه بذراعه وهذا ما أود التحذير منه. وأحمِّل مسئوليته لوسائل الإعلام التي افتقدت المهنية وابتعدت عن الموضوعية بشكل كبير وصارت تنشر أخباراً غير دقيقة وفي أغلب الأحيان مغلوطة ولا تمت للحقيقة بصلة وهذا كفيل بإشعال النار.. لذا أناشد المسئولين عن وسائل الإعلام أن يتقوا الله في هذا البلد ويتحروا الصدق ويلتزموا بأمانة الكلمة من أجل مصر.