الجولة الحالية التي يقوم بها الشيخ جعفر عبدالله رئيس قطاع المعاهد الأزهرية في المحافظات ستظل علامة بارزة في حركة المتابعة الميدانية بالتعليم الأزهري.. وذلك لعدة أسباب مهمة ليس من بينها بالطبع كثرة العقوبات والقرارات إياها والتي اطلق بسببها علي رئيس المعاهد الشيخ جعفر "جزاءات". ** إن هذه الجولة تأخرت كثيرا جدا.. في ظل حالة التردي والانفلات في كل شيء وكان من الواجب أن يتصدر الأزهر ليقدم النموذج والقدوة للمجتمع. ** إن الجولة أكدت جناية تلك المركزية المقيتة علي منظومة العمل في الأزهر بصفة عامة.. والمعاهد الأزهرية بصفة خاصة. ** إنها كشفت عن كثير من منابع الفساد المالي والإداري وبعض السراديب العتيقة التي يعشش فيها الفاسدون والأساليب المتبعة في السيطرة والاستحواذ وتربية غيلان وهوامير المفسدين. ** أكدت الأهمال الجسيم الذي يعانيه أحد أهم وأخطر القطاعات في الأزهر وهو المعاهد الازهرية.. اللبنة الأولي في خلق وتشكيل العقلية الأزهرية وبناء عالم الدين.. ولك أن تدرك حجم وخطورة هذه الكارثة إذا ما علمت أن هذا القطاع يضم تسعة آلاف ومائة وستة وخمسين معهدا. تشمل المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ومعاهد القراءات وتنتشر في تسع وعشرين منطقة أزهرية بجميع محافظات الجمهورية وبها مليونان وخمسة وثلاثون ألفا ومائة واثنان وثمانون طالبا وطالبة.. قوة ضاربة لا يمكن الاستهانة بها خاصة في مثل هذه الأوقات التي نري فيها مدا قويا للحركات والتيارات الإسلامية من مختلف المشارب الفكرية والثقافية.. وهي تيارات تتعدد فيها التوجهات بين شديد التطرف والتشدد وبين المتساهل حتي يبدو وكأنه وصل إلي حد التفريط.. وبين الجانبين تنشط قوي أخري تجد ضالتها في اللعب علي تمايز وتنافر تلك التيارات لتبث سمومها وتوجه أسلحتها ليس ضد الإسلاميين فقط بل إلي الإسلام نفسه كدين.. وبالتالي فإن الاهتمام بالمعاهد الأزهرية ومحاولة إصلاحها بجدية هي بداية التوجه نحو الطريق الصحيح لخدمة الدين والوطن معا بطريقة علمية صحيحة. ** إن هذه الجولة لا يمكن أن نفصلها عن حالة الحراك الكبيرة التي تشهدها الساحة من أجل الإصلاح سواء علي المستوي السياسي أو الديني أو التعليمي ويقوم فيها بدور كبير وبارز فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.. ويعنينا هنا علي وجه التحديد الجهود المبذولة من أجل تطوير الأزهر ومؤسساته المختلفة التعليمية والدعوية.. للنهوض به من أجل استعادة وتفعيل دوره وتأكيد رسالته علي الساحتين المحلية والعالمية علي السواء.. ** الجولة المباغتة اعتقد أنها بداية عملية جراحية كبيرة داخل قطاع المعاهد الأزهرية.. عملية قلب مفتوح.. فريق العمل والمستشارين والمساعدين يحتاج فيها إلي العمل لعدة سنوات متصلة بجد واجتهاد ودون كسل.. ولا يجب أن يضطر تحت أي ضغط أو ظرف من الظروف إلي إنهاء أو تقفيل العملية وإغلاق الجرح علي ما به من صديد وأورام خبيثة وكلاكيع أخري.. حتي لو اضطر الأمر بالتضحية برءوس كثيرة كبيرة كانت أو صغيرة.. تقف حجر عثرة في مسار العملية لأنها ببساطة تقطع عليها شرايين وأوردة الفساد. أرجو من فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الطيب أن يوفر الدعم والمساندة العلمية واللوجستية للاستمرار في المهمة حتي النهاية.. ولتكن لدينا الخطة جعفر "1" وجعفر "2" وجعفر"3" وهكذا.. إلي جانب توفير الحماية الكافية لأعضاء الفريق وأن يمنحه الحصانة أو ما يشبه حق الضبطية القضائية للمتورطين في مستنقعات الفساد واستبعاد اللاعبين الرئيسيين ممن عرفوا بالخبرة والمهارة في تستيف أمور الفساد وتزيين طرق التحايل علي القانون والتلاعب بميزانيات وموازنات وتسهيل طرق الاستيلاء عليها بما لا يخالف اللوائح والقانون أو شرع الله من وجهة نظرهم بالطبع..!!! لا شك أن الجراحة المبدئية كشفت عن سوءات وعورات وخلل جسيم يضرب في أطناب وجنبات كل المناطق الأزهرية التي شملتها الجولة حتي الآن.. والله أعلم بما تبقي.. بما نأمل ألا يكون الأمر معهم وفق القول.. وما خفي كان أعظم.. فالأمراض الخطيرة والعلل التي وضعت أيدينا عليها كفيلة بضرورة أحداث زلزال في هذا القطاع.. ويوجب محاسبة الرءوس الكبيرة والقيادات التي تسببت أو التزمت الصمت حيال كل هذا العفن الذي لوث ثوب الأزهر وساهم في تآكل مكانة الأزهريين في المجتمع. ولك أن تتخيل معي تلك الملاحظات أو الإشارات الأولية واعترف بها الشيخ جعفر والوفد المصاحب له والذي ضم 12 مستشاراً وموجهاً في مختلف التخصصات.. انخفاض نسبة الحضور بشكل كبير في عدد غير قليل من المعاهد.. خاصة بين الطلاب في المرحلة الثانوية والشهادة علي وجه التحديد. هذا إلي جانب غياب الانضباط في العمل.. تقارير مزيفة وكاذبة ولا تعكس الواقع يقدمها مديرو المناطق الأزهرية.. وانحصرت في عبارتين.. كله تمام يا مولانا.. أو أننا نعاني عجزا في المدرسين وفي الإمداد والتموين.. مثلا في محافظة سوهاج اتضح للقافلة وجود 87 مدرسة بدرجة وكيلة في معهد فتيات سوهاج وبعضهن ليست لهن جدول حصص. ووجود وكيلات أخريات يعملن بجدول مخفف. برغم تكرار شكوي منطقة سوهاج الأزهرية التي ترفعها إلي قطاع المعاهد الأزهرية بالأزهر من وجود عجز صارخ في اعداد المدرسين بالمعاهد. اعتقد أن مثل هذه الحالات المتكررة في المناطق المختلفة تستوجب إعادة النظر بشكل عاجل وفوري في نظام الترقيات بالأقدمية المعمول به.. وفتح الباب للكفاءات القادرة علي العمل والقيادة في الوقت نفسه.. وطرق اختيار مديري المناطق والتجديد للبعض واستمرارهم في أماكنهم رغم الأوضاع المتردية والنتائج الكارثية التي حققوها. وجود الكتب الخارجية في أيدي المدرسين والطلاب علي السواء. داخل الفصول والمعاهد الأزهرية. وجود تعاقدات عن طريق المكافآت لأكثر من 500 متعاقد في مختلف التخصصات التعليمية والإدارية يشوبها الفساد والمخالفات للقانون في التعاقد.. وهذه قضية خطيرة وبوابة فساد لا يمكن السكوت عنها.. خاصة بعد أن شاهدنا الآلاف من الضحايا وحالات الاستغلال والابتزاز.. والمظاهرات التي أحاطت بالأزهر بسبب كثير من تلك العمليات المشبوهة.. عدم معرفة بعض المدرسين بالمناهج. وعدم متابعتهم لما يستجد من تغييرات. وكذلك اعتماد المدرسين والطلاب علي الكتاب الخارجي. والبعد عن الكتاب المدرسي الذي يأتي منه الامتحان. ** إذا كانت جولة فريق الجراحة قد ركزت علي السيئات والسوءات وكشف العورات وهذا مهم للغاية فلا يجب أن ننسي الاحتياجات والمطالب المهمة والشكاوي المتكررة والملحة من العاملين بالمناطق المختلفة.. ولا يجب أن نغض الطرف عن عوامل وأسباب الاحباط المستمر وماذا فعلنا أو سنفعل لمواجهتها والقضاء عليها.. وسأكتفي بالإشارة هنا إلي ما أعلنته منظمة العدل والتننمية لحقوق الإنسان في بيان لها. وعرضت فيه بعض مطالب العاملين بالأزهر بمختلف محافظات الجمهورية ومنها علي سبيل المثال: صرف بدل المناطق النائية بمعدل 100 جنيه شهريا والتي وعد بها الأزهر وقام بجمع بيانات العمال منذ 5 سنوات ولم يتم صرف البدل حتي هذا الوقت.. راتب العامل داخل المعاهد الأزهرية يصل إلي 400 جنيه فقط وهو راتب هزيل للغاية والزيادة في رواتب العمال زيادة بنسبة ضئيلة وصلت إلي 15% والغريب عدم حصولهم علي الحوافز أو حد أدني وأقصي للأجور وبدلات التنقل والسفر وغيرها. فجرت المنظمة قضية الإداريين داخل المدارس والمعاهد الأزهرية ويصل عددهم إلي حوالي 200 ألف إداري موزعين بمختلف المحافظات فالكادر لم يتم تطبيقه علي إداريي المعاهد الأزهرية ورواتبهم هزيلة لا تتعدي 600 جنيه. عدم صرف بدل المواصلات حتي الآن وبدل المناطق النائية منذ 7 سنوات إضافة إلي عدم حصولهم علي حافز الإثابة. عدم تطبيق كادر المعلمين علي مدرسي الأزهر. امتيازات التعليم العام لا تطبق بالأزهر. امتحانات الكادر إهانة لمعلمي الأزهر الشريف.. وهناك مطالب أخري مهمة وحقيقية لا يجب أن نغض الطرف عنها إذا أردنا إصلاحا حقيقيا.. والله الموفق والهادي إلي سواء السبيل.