الناسُ جميعًا يبحثون عن السعادة.. نعم مهما اختلفت عقائدهم. مهما اختلفت أفكارهم ومبادئهم فإنك لو سألت أي إنسان علي ظهرِ الأرض. لمّ فعلت كذا؟ ولمّ صنعت كذا وكذا؟ لقال لك إن بهذه الأحرف أو بكلمات تختلف أبحثُ عن السعادة. غايةى يتفق فيها الخلق جميعًا. ولكن يختلف الناس في سبيلِ الحصول علي السعادة فمن الناس من يظنُ أن السعادةَ في جمعِ المال ولوكان من الحرام. المهمُ أنه يريدُ أن يجمع المال بأي سبيل لا يعنيه. ماهي الوسيلةُ لجمع المال وأود أن أقول بدايةً أنا لا أريد أن أقلل من شأن المال فقد يكون المال سببَ السعادة في الدنيا والآخرة. وقد يكون المالُ سببَ الشقاء في الدنيا والآخرة. المالُ ما أكرمه إذا حركته أيدي الصالحين والشرفاء ما أشرف المال إذا عرف المسلمُ غايته وعلم أن المالَ ظل زائل وعاريةى مسترجعه وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن أبي كبشه الأماري وفيه أنهُ -صلي الله عليه وآله وسلم- قال: "إنما الدنيا لأربعة نفر" وذكر النبي - صلي الله عليه وسلم - منهم رجل أتاهُ اللهُ مالاًً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه. ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل عند الله -جل وعلا: "فالمال ظل زائل وعاريةى مسترجعه لو عرف المؤمن غاية المال وحقيقة المال والوظيفه التي ينبغي أن يسخر لها المال. فأنفق في سبيل الله -جل وعلا. وعلم يقينًا أن ماله الحقيقي هو ما قدم هو ما بذل في حياته. ففي صحيح مسلم أنه -صلي الله عليه وسلم- سأل أصحابه يومًا وقال: ¢أيكم مال وارثه أحبُ إليه من ماله قالوا: يارسول الله ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه فقال المصطفي -صلي الله عليه وسلم- فإن مالهُ ما قدم ومالَ ورثتهِ ما أخر. وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره أنه -صلي الله عليه وسلم- يقول: ¢مالك يا ابن آدم تقول مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أوتصدقت فأمضيت ورحم اللهُ من قال: النفسُ تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غني يطغيها وغني النفوس هو الكفاف. فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هي القناعةُ فالزمها تكن ملكه لولم تكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح فيها بغير الطيب والكفن قال جل وعلا: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرى عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرى أَمَلاً. وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَي الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. وَعُرِضُوا عَلَي رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةي بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً. وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَي الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" سورة الكهف "46-49" فالمسلم إذا عرفَ غاية المال واستخدم المال استخدامًا صحيحًا فالمال حينئذ سببُ سعادته في الدنيا والآخرة. وقد يكون المالُ سببًا من أسبابِ الشقاء في الدنيا والآخرة. إذا عاش الإنسانُ من أجلِ المال. وأصبحت غايتهُ في هذه الدنيا أن يجمعَ المال بأي سبيل وبأي طريق حتي ولو علي حساب الآخرة. يسمعُ النداء يقولُ حي علي الصلاة ولكنهُ مُنشغلى بتجارته منشغلى بأولاده منشغلى بكرسيه ومنصبه. ما استجاب لله -جل وعلا- من أجلِ الدنيا ومن أجل المال غفل عن الآخرة وقد حذرُ النبي عليه وآله وسلم من هذه الغفلة فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد ¢إن الدنيا خضرةى حُلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء¢4 كم ممن ينتسبون الآن إلي الإسلام لا همَ لهم إلا المال لا هم لهم إلا الدنيا. إن أُمروا بأمرِ الله جل وعلا ما اتمرو. وإن نهاهم الله -جل وعلا- ما انتهو وإن حد لهم الله جل وعلا تجاوزا وتعدوا حدود الله -تبارك وتعالي- وأصبحت الدنيا الغايةَ التي من أجلها يخططون ويبذلون بل وينفقون العقل والوقت والجهد والمال. فالمالُ ليس كل صاحب مالي سعيداً ليس كل صاحبة مالي سعيدة وأنتم تقرؤون آيات القرآن التي قص الله فيها علينا قصة قارون الذي انشغل الناسُ بملكه وسلطانه ومع ذلك لما ذكر بالله ما تذكر. اتق الله ورد الفضل إلي الله -جل وعلا- واعلم بما أنت فيه من نعمه إنما هو بفضلِ الله -جل وعلا- عليك. فرد قارون بإستعلاءي وكِبر وقال إنما أوتيته علي علمي عندي. إنهُ فن الإدارة. إنهُ فن الإدارة هذه الكلمة التي يرددها أصحاب المال الآن إلا من رحم ربك. فكانت النتيجة "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةي يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ" "القصص81" ولعل البعض من قد تابع قصة أغني امرأة في العالم "فتاة في العشرين من عمرها إنها كرستينا أونسس ابنة الملياردير الشهير أونسس. لما توفي أو هلك أبوها ورثت هذه الفتاة مع زوجة أبيها هذه التركة الضخمة. المليارات. الأساطيل. الشركات. وتزوجت هذه الفتاة برجل أمريكي عاشت معه فترة قصيرة. ثم طلقها أو طلقته ثم تزوجت برجلي يوناني عاشت معه فترة قصيرة فطلقها أو طلقته ثم تزوجت برجلي روسي شيوعي فتعجب الصحفيون في حفل زفافها. وقال لها صحفي كيف تلتقي قمة الرأسمالية بالشيوعية؟ فقالت الفتاة: بصدقي ووضوح ابحث عن السعادة. ثم عاشت معه فطلقها أو طلقته ثم تزوجت للمرة الرابعة برجلي فرنسي فتقدمت صحفية لتقول لها هل أنتِ أغني امرأة؟ فقالت: نعم أنا أغني امرأة ولكني أشقي امرأة ثم وجدوها جثة هامدة في أحد الشاليهات بدولة الأرجنتين. فليس كل صاحب مال سعيداً. والله لن يذوق طعمَ السعادة إلا رجلى منَّ اللهُ عليه بالمال فعرف الغايةَ والوظيفة من هذا المال فأنفقه لله -جل وعلا- في الليل والنهار اكتسبهُ من الحلال وانفقه في ما يرضي الكبير المتعال. وقد يظنُ صنفى آخر من الناس أن السعادةَ الحقيقيةَ في المنصب في الجاه والسلطان. قد يكون المنصبُ سببًا من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة. إذا اتقي الإنسانُ ربه وعرف أن المنصب والكرسي الذي أجلسهُ اللهُ عليه. عرف أنهُ أمانة وأن هذه الأمانة يوم القيامة قد تكون حسرة وندامة. ففي صحيح مسلم أن أبا ذر جاء للحبيب النبي فقال: يا رسول الله ألا تستعملني لماذا لا تعطيني منصبًا أو كرسيًا في هذه الدولة العظيمة؟ فقال له المصطفي بعد أن ضرب علي منكبه: "يا أبا ذر إنها أمانة وإنها يوم القيامة خِزيى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها¢. فالمنصبُ أمانة والمسؤلية أمانة واستحلفُك بالله أن تتدبر هذا الحديث الذي يرعب القلب لخطره ومسؤليته. والحديثُ في أعلي درجات الصحة رواه البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار --رضي الله عنه- أنهُ -صلي الله عليه وسلم - قال: ¢مامن عبدي يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت. وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" تدبر أيها المسئول مهما كانت مسئوليتك ومهما كان منصبك أنت في أمانة إن أديتها ربما أوصلتكَ هذه المسئوليةُ للجنان إن اتقيت الله وعرفت هذه المسؤلية وقدر هذه الأمانة فإن خان الإنسان هذه الأمانة كان المنصب سببًا فيشقائه في الدنيا والآخرة. فمهما كان حجمُ منصبك ومهما كان حجمُ مسئؤليتك فإنها أمانة وإنها يوم القيامة حسرةى وندامة. إن اتقيت الله وجعلتَ هذا المنصب وسيلةً للجنة لتفريج كربات الناس لا تُعقد الناس ولا تُعقد مصالح خلقِ الله ولا تعقد مصالح عبادِ الله بل كن مفتاح خير فإن من الناس ناسًا مفاتيح خير مغاليق للشر فكن مفتاح خير بمنصبك وكن مفتاح خير بكرسيك واستغل هذا الكرسي لمرضاة الله. ولا تستغل هذا الكرسي لمن أجلسك عليه من العباد فإن الكرسي ظل زائل وعارية مسترجعه ولو دام هذا المنصب لغيرك ماوصل إليك.