قال النبي صلي الله عليه وسلم في حق هذا الصنف الخبيث المخذول المهان في الدنيا والآخرة من المجاهرين بالذنوب والمعاصي إن لم يتداركوا ويتعجلوا بالتوبة إلي الله. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ¢كل أمتي معافيً إلا¢ يا رب سلم إلا من؟ ¢إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً -أي ذنباً من الذنوب أو معصيةً من المعاصي- يبيت يستره ربه ثم يصبح -فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا- يهتك ستر الله عليه¢ . هذا مخذول وأظنكم تعلمون يقيناً أن هذا الصنف قد كثر. الصنف الذي يتباهي بالمعصية. الصنف الذي يردد المعصية والذنب. يعتبر المعصية بطولة ويعتبرها رجولة. هذه بطولة جوفاء ورجولة كذابة. فلا يستحيي بعد ذلك لجرأته - اسمع إلي ما أقول وانتبه له- لجرأته علي الله بسبب فساد قلبه بسبب الذنب والمعصية. فمن أخطر آثار الذنوب والمعاصي أنها تفسد القلوب وتقطع سير القلب للرب. ياه والله لو تدبرت هذا لفزع قلبك. فأنت تسير إلي الله بالقلب لا بالبدن. قال شيخي ابن القيم رحمه الله: اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلي الله تعالي بقلبه وهمته لا ببدنه فالتقوي في الحقيقة تقوي القلوب لا تقوي الجوارح. قال تعالي: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَي الْقُلُوب" الحج:32. وقال تعالي: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَي مِنكُمْ " الحج:37. وأشار الحبيب صلي الله عليه وسلم يوماً إلي صدره الشريف وقال: ¢التقوي ها هنا. ثلاثاً¢. فالعبد إذا انقطع قلبه عن ربه أقبلت سحائب البلاء والشرور عليه من كل ناحية. فيصبح كالأعمي الذي يتخبط في حنادس الظلام. والقلب إن أشرق بنور الإيمان أقبلت وفود الخيرات والبركات والرحمات إليه من كل ناحية فينتقل صاحب هذا القلب المشرق بنور الإيمان من طاعة إلي طاعة ومن حسنة إلي حسنة ومن فضل إلي فضل. حتي يسعد بالنظر إلي من تفضل عليه. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. إلف المعصية يتجرأ علي الله في الخلوة ثم يجاهر بالمعصية -اسمع ماذا أقول- ثم يألف المعصية. يألفها. لا تؤثر الذنوب بعد ذلك في قلبه. ولا يستحيي من الله ولا من الخلق أن يراه علي المعصية. فهو جالس علي المقهي أو في الشارع أو في السوق الآن وأمة محمد تصلي الجمعة وهو منذ أكثر من مئات الجمع لا يستحيي من ربه ولا يستحيي من الخلق ولا من نفسه. فالجمعة بعد الجمعة بعد الجمعة وهو في السوق يبيع ويشتري لا حياء من الله ولا من الخلق. ألف المعصية. صارت عادةً قبيحةً له. يسمع الأذان يؤذن للظهر والعصر والمغرب والعشاء وهو لا يتحرك ألف المعصية. لا يستحيي من ربه ولا من الخلق. وهذه تخرج عارية كشفت عن صدرها وعن عوراتها ولا تستحيي من ربها ولا من الخلق. ألفت المعصية. وهذا يأكل الربا ويأكل أموال اليتامي ويأكل الحرام ولا يستحيي من ربه ولا من الخلق. ألف المعصية. وهذا يشتم أمه ويسب أباه ويراه الناس من جيرانه ويعرف ذلك أصحابه ولا يستحيي من ربه ولا من الخلق. ألف المعصية. هذا يُخشي عليه أن يختم علي قلبه وأن يطبع علي قلبه فيهلك في الدنيا والآخرة. إلف المعصية خذلان وخسران في الدنيا والآخرة. ضاع الحياء من هذا العبد. ضاع حياؤه من ربه. أولئك الذين ترونهم علي المعاصي يكررونها ويفعلونها برتابة. هؤلاء ألفوا المعصية فصارت المعصية بالنسبة إليهم عادة لا تجرح مشاعرهم. المؤمن والله الذي لا إله غيره لو نظر نظرة في الحرام بحيث لا يطلع عليه إلا الله ينكس رأسه في الأرض بعدها خجلاً وحياءً من ربه. لأنه صاحب قلب حي يعرف جلال الله وعظمة الله. فلا تنظر إلي صغر المعصية ولكن انظر في حق من عصيت. من خان الله في الستر هتك الله ستره في العلانية وأرجو أن تحفظها أيها الحبيب اللبيب...! هذه السكتة الطويلة عن قصد مني لألفت أنظاركم جميعاً لأقول ما سأقول. أقول: من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية. اسمع للنبي صلي الله عليه وسلم ماذا قال. والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس. قال: ¢من سَمّع. سَمّع الله به ومن يرائي يرائي الله به¢. ماذا يعني؟ يعني من عمل عملاً يبغي به السمعة لا يبتغي به وجه الله سيجعل الله نيته وسره علانية وستسمع أنت بأذنيك ألسنة الخلق تردد الحق وتقول: فلان هذه صاحب شهرة. ويبتغي سمعة. ويبتغي مركزاً. ويبتغي كرسياً. ويبحث عن منصب. وهو منافق ونصاب وكذاب. وآخر إذا ذكر اسمه ورُؤي وجهه ذكر الملك هذا ولي من أولياء الله. ¢أولياء الله الذين إذا رُأوا ذُكر الله¢ اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين. اعلم يقيناً أن سريرتك إن كانت خيراً سيظهرها ربك. وإن كانت شراً سيظهرها ربك. فألسن الخلق أقلام الحق. ¢من سَمّع. سَمّع الله به ومن يرائي يرائي الله به¢. فمن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية. اللهم استرنا ولا تفضحنا في الدنيا والأخرة وأكرمنا ولا تهنا. وأعلم أن المعصية سبب لإهانتك. لإهانتك بين يدي ربك إبتداءً ثم بين يدي الخلق. واعلم بأن من أهانه الله لا يكرمه الخلق ولو اجتمعوا. قال جل وعلا: "وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مكْرِمي" الحج:18. خلاص. إن أهانني ربي بذنبي ومعصيتي فممن أنتظر الإكرام؟ تنتظر الإكرام من الخلق أنت واهم. يا من تنتظر أن يكرمك الخلق وقد أهانك الخالق أنت واهم. "وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مكْرِمي" الحج:18 .يعني من أهانه الله بسبب ذنوبه ومعاصيه لن يكرمه الخلق ولو أجمعوا علي إكرامه. بل سيهينك الله علي يد طفلك وعلي يد امرأتك. وسيهينك الله علي يد قوتك أنت. تخونك قوتك أحوج ما تكون إليها. تدبر مني كل لفظة اليوم ورب الكعبة تخونك قوتك في لحظة تكون أحوج ما تكون إلي قوتك تخونك. لأن القلب فسد وضعفت إرادته وانقطع سيره عن ربه جل جلاله. فهذه القوة قوة البدن إنما هي ثمرة حتمية لقوة القلب ولطاعة الرب.