عرض لنا القرآن الكريم حواراً بين الله وملائكته قبل خلق آدم قال فيه سبحانه " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلى فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " ثم استمر الحوار فعلم الله ادمپالاسماءكلها وكرمه بالعلم فأدركت الملائكة ان الله فضل آدم بالعلم فسجدوا له حين أمروا بذلك مدركين لقيمة العلم ورفعته مستجيبين لأمر الله سبحانه0پ فالإنسان في الإسلام تقاس مكانته بأمرين بإيمان في قلبه . وعلم في عقله وفكره . وهما المجال الحقيقي للتنافس والتسابق ونيل الدرجة والمكانة من الله . ولكن الشيطان لم يتحاكم الي هذا الميزان . ولم يتنافس في هذا المجالين إنما تحاكم إلي خلقه ونفسه ورؤيته لنفسه فغوي0پ فأستحق الهبوط الي الأرض والخروج من الجنة . فطلب المهلة للإغواء فأمهله الله تعالي اختيارا للبشرية فتوعدهم الشيطان بالإغواء واستخدام كل الحيل "لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً " سورة الإسراء . وهنا أنقسم الناس الي فريقين : فريق أتبع الشيطان فكان في حزبه "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" 0 سورة المجادلة / الآية 19پ وفريق اتبع الرحمان وتحاكم إلي ميزانه الحقيقي "العلم والإيمان " فكان من حزبه "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحي مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتي تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "پ ومن هنا كان للحق معالم يعرف بها . وللباطل كذلك معالم . وأبرز المعالم التي يعرف بها أهل الحق والباطل هي :-پ 1- تاريخه وماضيه : فالماضي يستدل به علي الحاضر . ولذلك قال القرآن موجهاً قريش إلي هذا المعلم في حكمهم علي النبي صلي الله عليه وسلم " فقد لبثتم فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون . ونعي القرآن علي الذين أسقطوا هذا المعلم في حكمهم علي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : "أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ " سورة المؤمنون / الآية 69 وكان سؤال هرقل لأبي سفيان كاشفاً لهذا المعني "قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. فأنظر إلي تاريخ أهل الحق كم ضحوا وكم قدموا وكم بذلوا . وأين كانوا أيام الأزمات والنكبات . سيخبر التاريخ عنهم : أنهم تكلموا يوم سكت الناس . وتقدموا يوم تأخر الناس وضحوا يوم ضن الناس . وانفقوا يوم أن بخل الناس . أما الباطل فتاريخه فتاريخه يدل عليه . فماضيهم يخبر عن حاضرهم . أين كانوا أيام الأزمات . وبماذا ضحوا . وكيف كانت حياتهم . وكم بذلوا . وماذا قدموا للأمم والشعوب والأوطان 0پ يخبر التاريخ عنهم أنهم لمصلحتهم ساعين . وعلي كل الموائد آكلين . وأينما كانت المصلحة الشخصية وجدتهم قائمين . لم يواجهوا باطلاً . ولم يضحوا لنصره حق . ولم يجاهدوا لرفعة دينپ 2- مرجعيتهم : يعرف الحق وأهله بمرجعيتهم حيث ينطلقون في وسائلهم وأهدافهم من شريعة ربهم وسنة نبيهم . فهم إن تنافسوا فبمقاييس الإسلام الحقيقية في العلم والإيمان . فهم فروع لشجرة أصيلة يستقون منها الخير "كَشَجَرةي طَيِّبَةي أصلها ثابت وفرعها في السماء "پ يرضون بحكم ربهم ويسعون اليه. قال سبحانه عنهم " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ان يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "پ أما الباطل فمرجعيته هواه " قال تعالي : " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمي فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ" 0 هؤلاء لا يقبلون ذكر الله . ولا يسمعون لكلمات الله . " وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " سورة الزمر / الآية: 45 0 "وَإِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقى مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ" سورة النور / الآية : 48 . فهم لايقبلون حكم الله وإن ادعو أنهم معه قال تعالي : وَإِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقى مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ 3- ولايتهم : يعرف الحق بحزبه والمنتسبين إليه والموالين له .والقائمين عليه والساعين الي نصرته. قال تعالي : "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ "پ لذا نجد دائما مع الحق العلماء . وفي صفه المخلصون الأوفياء. والعابدون الأتقياء . والمتقون الأوفياء 0پ أما الباطل فولايته دائماً لغير المسلمين . أو مع المعتدين المجرمين . فهو صديق لكل ضال . حميم لكل باطل . ولي لكل متكبر " أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَي الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"سورة المجادلة/ الآية: 14پ " فَتَرَي الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضى يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَي أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةى فَعَسَي اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْري مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَي مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ " سورة المائدة / الآية: 52 " وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ " سورة المائدة/ الآية : 81پ لذا نجد في هذا الجانب كل مغموط في دينه . مطعون في ذمته . متحلل من القيم . جاهل بدينه تابع لعدوه . الذي لا يخرج إلا بطراً ورئاء الناس ويصد عن سبيل الله 0 4- وسائلهم : يعرف الحق بأنه لا يستخدم إلا الوسائل المشروعه فليس التزوير من وسائله . ولا الإكراه من مبادئه . ولا الكبر من سماته . ولا الطغيان من أدواته . ولا الفحش والبهتان من أساليبه . ولا الحرق والتدمير من مقاصده . بل منهجه " لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطي يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " سورة المائدة/ الآية 28 0 أما الباطل فلا يستطيع سماع الحق أو التحاور معه. لأنه ليس له أسس يقوم عليها .ففرعون لم يجد في حواره مع موسي عليه السلام حجه يرد بها عليه إلا قوله : "لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفي ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ "پ وبعدها لم يجد الباطل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيله للإقناع إلا حبس الحق والقضاء عليه 0پ "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " سورة / الانفال الآية : 30 فهو يحسن القتل والمكر والخداع والإقصاء وتلفيق التهم وبث الاشاعات 0پ 5- أهدافه : الحق يسعي لنشر الحق وقيمه ومبادئه ليعم الخير جميع البشرية "وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَي اللّهِ َمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ " سورة / هود الآية : 29پ " وَمَا لِأَحَدي عِندَهُ مِن نِّعْمَةي تُجْزَي "19" إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَي "20" وَلَسَوْفَ يَرْضَي "21" سورة الليل 0پ الحق يريد سعادة الدارين مدركاً أن الفلاح والنجاح يكمن في رضوان الله " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَري أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " سورة النحل / الآية : 19 أما الباطل : فإنه لايسعي إلا إلي الدنيا . فهو محامي العري والفجور . وهو المدافع عن الفحش والخمور . وهو الساعي لنشر الإباحيه . الصديق لكل خوان كفور . لا يهتم بنشر دين . بل يصد عن سبيل الله وعن الصلاة . يعرف بلحن القول . ولجاحة العرض . وفجور الخصومة . وعداءه للصالحين 0پ العاقبة :پ - لم يكتب الله للباطل البقاء بل مهما انتفخ وارتفع وملا الآفاق فإنه سرعان ما يزهق ويغيب 0پ - " وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً " سورة الاسراء / الآية 81پ - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقى وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ " سورة الأنبياء / الآية : 18. - وأخيراً : فلنقرأ قول الله تعالي :پ " أَفَمَن يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَي فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " سورة يونس / الآية .35 وقبل أن أغادر أقول في أيام الأزمات لا مكان بين الحق والباطل فمن لم يكن من أهل الحق ومعهم فهو يقينا من أهل الباطل وحزبهم 0پ