منذ نزول آيات القرآن والحفظة من القراء والمدونين لكلام الله العظيم يسارعون في ترتيله والتغني بأصواتهم بما أجادوا من سور القرآن مرتلة كما انزلت بلسان عربي وبأفصح بيان ويتبارون بأصواتهم كلما اجتمعوا في مجالس مدارسة القرآن ومراجعته علي النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان يحب أن يستمع إلي القرآن من غيره وكان يذرف الدمع من عينه إجلالا لربه وهيبة من عظمته وقد طلب من عبدالله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال: "أقرأ وعليك أنزل؟ فقال صلي الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري. وقال صلي الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم" رواه أبوداود وقد امتدح صلي الله عليه وسلم صوت أبي موسي الأشعري وهو يتغني بالقرآن وقال أبوموسي الأشعري لرسول الله صلي الله عليه وسلم: لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لجبرتها لك تجبيرا" رواه أبوداود. فالصوت الجميل الرخيم الملازم للأداء الجيد مع الخشوع والتباكي حثنا عليه النبي صلي الله عليه وسلم لأن في ذلك ترقيق للشعور وتهذيب للأحاسيس ولين للقلوب. قال تعالي: "وإذ تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" من سورة الانفال وكان النبي صلي الله عليه وسلم يختار من بين أصحابه للأذان أحسنهم صوتا. وكان يقول لبلال رضي الله عنه: ارحنا بها يا بلال.. والإسلام وهو دين الجمال والسلام يحب كل جميل ويدعو إليه في كل شيء والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: إن الله جميل يحب الجمال وتلاوة القرآن بصوت جميل إبداع لبيان بلاغته وفي الوقت نفسه يحذرنا صلي الله عليه وسلم من التلاعب بألفاظ القرآن والخروج علي أصول ترتيله وضبط حروفه فيقول: "سيجيء بعدي قوم يرجعون القرآن ترجيع النوح والغناء مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم" رواه أبوداود. ورسالة القرآن أمانة يجب تبليغها كما انزلت من عند الله تعالي: "يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك" من سورة المائدة ويقول صلي الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" رواه الترمذي وعلي هدي من الكتاب والسنة والاجماع نلقي الضوء علي تاريخ مدارس التلاوة والترتيل للنوابغ والعباقرة والموهوبين الذين تشرق أصواتهم عبر العصور والبث الإعلامي لإذاعات العالم وهم المتميزون حتي الآن تلاوة وأداء في الوقت الذي تمتليء فيه الساحة القرآنية بأعداد كبيرة من القراء المقلدين وغيرهم ومع صراع التنافس في العديد من الإذاعات المسموعة والمرئية وغيرهم من قراء المساجد وكان هذه الإذاعات الموجهة العديد غير متاحة في العصر الذهبي للإعلام والأفذاذ منذ عام انطلاق البث الإذاعي عبر الأثير عام 1943 لأن المسئولين يحرصون علي تقديم الأجود والأندي صوتا بعد خوض اختبارات صوتية وفنية مع أصول التجويد الدقيق الضابط لألفاظ القرآن أمام لجنة علمية علي مستوي عال وخبرة فنية وعلمية مما كان له أعظم الأثر في تقديم مواهب متميزة نابعة من مدارس فريدة في الصوت والحس في الترغيب والترهيب وتصوير الإعجاز القرآن فانفردوا بقمة الأداء الحسي وتحقق لهم قول النبي صلي الله عليه وسلم: أحسن الناس صوتا من إذا قرأ القرآن رأيتموه يخشي الله تعالي" عن جابر. وأصحاب المواهب المتميزة يتلون كتاب الله حق تلاوته ويزينونه بأجمل الأصوات ولا يلحنون أو يطربون بقراءاتهم ولا يتلاعبون بتأوهات وتمطيطات تتنافي وجلال كلام الله العظيم سعيا لشهرة أو طمعا في ثروة بل يعملون علي التفنن المحمود الذي يتأثر به السامع والقاريء وما خرج من القلب يصل إلي القلوب ولهذا استقطبوا أسماع الناس في العالم لدرجة أن الكثير من الأديان الأخري أعلنوا إسلامهم وشهدوا للقرآن بأنه المعجزة الكبري الخالدة والحكمة البالغة التي شرح الله بها الصدور وهدي بنورها من يشاء من عباده وقد أودع الله في أصوات هؤلاء القراء معجزته الوصول إلي قلوب المستمعين حتي بهرت آلبابهم وخشعت قلوبهم فاتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم ويطيب للنفس أن تتذكر تاريخ الإعلام بداية من القرن العشرين لأنهم أصحاب حق علينا بالتغذي بالقرآن حتي يومنا هذا من خلال تسجيلاتهم النادرة فالشيخ محمد رفعت قيثارة السماء ومعجزة القرن العشرين وإلي أن يشاء الله وهو صاحب السبق في التلاوة من خلال الإذاعات والشيخ عبدالعظيم زاهر والشعشاعي والصيفي ومصطفي إسماعيل وطه الفشني وعلي حزين وفي الأربعينيات المشايخ الدوري والدمنهوري والحصري والبهتيمي والبنا والسنديوني وغيرهم ثم عصر النوابغ عبدالباسط عبدالصمد ومحمد المنشاوي ثم راغب غلوش وعبدالعزيز فرج والجرزاوي وغيرهم.