حرص الإسلام علي الأخوة الإنسانية وعمل علي تقويتها بما شرع من شرائع وبما وضع من قوانين في معاملة المسلمين لغير المسلمين: نعم لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم رحمة الله المهداة لجميع خلقه علي السواء. عمت رحمة الله به جميع الخلائق مسلماً وغير مسلم وفاضت معاملته لغير المسلمين بالرحمة التي جعلت العدو يعترف بها قبل الصديق. وحببت الإسلام إلي النفوس فكانت تتهافت عليه تهافت النحل علي الزهور. ودخل الكثير والكثير من أبناء مصر وغيرها من البلدان طواعية لا قهراً في الإسلام. بفضل حسن معاملة النبي صلي الله عليه وسلم وإحسانه وتسامحه واقتداء اتباعه من بعده به حقاً فاض الإسلام بالبر والعدل في كل معاملاته للمسلم ولغير المسلم. وحرص الإسلام علي أن يكون المسلم باراً بغير المسلمين عادلاً معهم لا يمنعه من نصرة الحق وإقامة العدل.. سواء باختلاف الدين أو الرأي. ولذلك التزم الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق منذ نشأته. وربي أصحابه علي ذلك فكانوا أوفي الناس عهداً في كل ما التزموا به من عهود ومواثيق خاصة مع "غير المسلمين". والمحافظة علي حقوقهم وتأديتها لهم: فنحن وهم شركاء في الوطن لهم ما لنا وعليهم ما علينا. فقد أوجب الإسلام علينا حمايتهم والدفاع عنهم إذا ما عرض لهم عاضر من عدوان وغيره ما داموا ملتزمين بأداء ما عليهم من واجبات مثل المسلمين. ولقد حرم الإسلام علي المسلمين أكل أموال الناس بالباطل أو الاعتداء علي الدماء والأعراض والأموال إذ كفل لكل إنسان في ظل الدولة المسلمة المحافظة علي دمه وماله وعرضه. وذلك من منطلق حرمة النفس التي كرمها الله تعالي وأيضاً من مقتضيات التكريم: تحريم الدم والعرض والمال "لغير المسلمين" لأن الإسلام ينظر إلي الإنسان علي أنه مدني بطبعه.. واستعانة المسلم بغيره لا تستلزم أن تقتصر علي الاستعانة بالمسلمين فقط. ومن يشيع ويروج لعكس ذلك هو قطعاً من الظالمين. والتاريخ الإسلامي حافل بهذه الأمثلة منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء من بعده وإلي عهدنا الذي نعيشه فما أروع الإسلام الذي قام علي التسامح والتراحم مع غير المسلمين بل تخطي التسامح إلي التكريم. عرفاناً بالحق ولذلك فقد كرم الإسلام أهل العلم والحكمة والمنطق واعترف بفضلهم بغض النظر عن دينهم أو جنسياتهم وضرب لنا أروع المثل في تكريم هؤلاء العلماء والحكماء بتوليهم المناصب عند كثير من الخلفاء والحكام في الدولة الإسلامية مما جعل المستشرقين والكتاب والمؤرخين يشهدون للإسلام في مؤلفاتهم ويضبون المثل به في التسامح والعدل والوفاء. ويقول السير موير: "إن رجال الدين في القرون الوسطي. ونتيجة للجهل أو التعصب. قد رسموا لدين محمد صورة قائمة. لقد كانوا يعتبرونه عدواً للمسيحية. لكنني اطلعت علي أمر هذا الرجل. فوجدته أعجوبة خارقة. وتوصلت إلي أنه لم يكن عدواً للمسيحية. بل يجب أن يسمي منقذ البشرية. وفي رأيي أنه لو تولي أمر العالم اليوم. لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها".