* يسأل وائل الكرداسي من طحانوب - قليوبية: رجل حلف شيئا ثم رأي غيره أفضل منه فماذا يفعل؟ ** يجيب د. محمد بكر إسماعيل رحمه الله: أحيانا يحلف الرجل علي فعل شيء. فيبدو له أن فعله يضره. أو يضر. أو أن تركه أولي من فعله. وأحيانا يحلف ألا يفعل شيئا فيري في فعله مصلحة له أو لغيره من المسلمين. فماذا ينبغي أن يفعل؟ أقول: ينبغي أن يفعل ما فيه خير له. ويترك ما فيه ضرر عليه أو علي غيره ثم يكفر عن يمينه. قال تعالي: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم". قال ابن كثير في تفسير الآية: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالي مانعة لكم من البر وصلة الرحم. إذا حلفتم علي تركها. كقوله تعالي: "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" فالاستمرار علي آثم "أي أشد إثما" لصاحبها من الخروج منها بالتفكير. ونقل في ذلك جملة من الأحاديث. منها ما رواه البخاري في كتاب الأيمان ومسلم في كتاب الإيمان وأحمد في مسنده: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه". ويلج - بفتح الياء وكسر اللام وتشديد الجيم - معناه: أن يتمادي في الأمر. ولو تبين له خطؤه. فهذا أشد إثما من حنثه في اليمين. فلو حنث وكفر كان أولي له من تماديه في الخطأ بعد أن تبين له. وعسي الله أن يغفر له حنثه في يمينه بالتكفير والتوبة. روي مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "من حلف علي يمين فرأي غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه. وليفعل الذي هو خير". روي البخاري ومسلم عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "إني والله - إن شاء الله - لا أحلف علي يمين فأري غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" أي: كفرت عنها. وروي أبوداود في سننه عن طريق عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم. ولا في معصية الله. ولا في قطيعة رحم. ومن حلف علي يمين فرأي غيرها خيرا منها فليدعها. وليأت الذي هو خير. فإن تركها كفارتها". ثم قال أبوداود: والأحاديث عن النبي - صلي الله عليه وسلم - كلها: "فليكفر عن يمينه" وهي الصحاح. وخلاصة القول في هذا أنه ينبغي علي المسلم ألا يجعل حلفه مانعا له من فعل البر. واتقاء ما فيه ضرر له في دينه ودنياه. أومانعا له من السعي بين الناس بالصلح والنصح. بل عليه أن يحنث في يمينه. ويفعل ما فيه خير له. ولأهله وللمسلمين. ثم يكفر بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. أو تحرير رقبة. أو بصيام ثلاثة أيام إن لم يجد ما يكفر به. علي ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالي. للرازي فهم آخر في قوله تعالي: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" مفاده: النهي عن الجرأة علي الله بكثرة الحلف به. لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عرضة له. يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك. وقال الجصاص: المعني لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقا كان أو باطلا. فالله ينهاكم عن كثرة الإيمان والجرأة عليه تعالي. وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوي والإصلاح.