* الفترة الانتقالية المصرية التي أعقبت الثورة تصلح أن تدرس في كل كليات الاقتصاد والعلوم السياسية في العالم كله كنموذج للفشل والتخبط والقرارات الخاطئة وغياب الحنكة السياسية والاستراتيجية والرؤية المستقبلية . * وهذا التخبط والفشل وقعت فيه كل التيارات المصرية بلا استثناء.. كل بنسبته.. وكان أداء معظم القوي والحركات السياسية المصرية يتميز بالبحث عن أكبر قدر من الغنيمة حتي لو كان لا يستطيع هضم وامتصاص هذا القدر . * فالمهم التهام أكبر قدر من غنيمة الوطن حتي لو تقيأه بعد ذلك.. أو حتي لو أضره هذا الحجم المبالغ فيه . * لقد نسي الجميع الوطن وشغل نفسه وهمه وفكره وأتباعه بالمصالح الحزبية الضيقة.. وذلك كله أدي إلي غياب الشفافية والمصداقية وكثرة الأطماع والمآرب الشخصية والحزبية.. والاهتمام بحيازة المنصب قبل الاهتمام بخدمة الناس أو السعي علي حوائجهم.. والاهتمام بتوزيع أتباعه وأشياعه علي أكبر قدر من المناصب حتي وإن لم تكن كفاءتهم تؤهلهم لذلك . * رأينا في المرحلة الانتقالية الفتنة الطائفية في عدة مناطق دون حل جذري.. رأينا في هذه المرحلة غلاء الأسعار عدة مرات وبسرعة خطيرة . * رأينا ضعف الاقتصاد.. رأينا التردي الأخلاقي ووصلات الردح وأقذع الشتائم للمتنافسين والخصوم في الفضائيات . * رأينا أنبوبة البوتاجاز يصل ثمنها إلي 50 جنيهاً في سابقة لم تحدث حتي في عهد مبارك . * رأينا كنائس تحرق.. ورأينا الإسلاميين يصرون علي أن الانتخابات قبل الدستور خوفاً من وهم حذف المادة الثانية.. ذلك الوهم الذي صدره البعض للبسطاء حتي أننا الآن بلا دستور.. وقد نختار الرئيس ونحن بلا دستور.. وقد يأتي رئيس من الفلول ليصوغ دستوراً علي مقاس النظام السابق. * وقد أخطأنا حينما سكتنا علي الاستقطابات الحادة.. بل وصدرناها لبسطاء وعوام الشعب المصري.. ثوري وغير ثوري.. إسلامي وليبرالي.. إسلامي وعلماني.. وطني وفلول.. سلفي وإخواني. * أخطأنا حينما عممنا الأحكام.. وسكتنا عمن يعممون الأحكام.. فكل ليبرالي عدو للإسلام.. وكل اشتراكي أو علماني يحارب الإسلام.. وكل من كان في الحزب الوطني حرامي.. وكل.. وكل.. حتي خسرنا كل الناس.. رغم أن القرآن ينادينا صباح مساء ¢ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةى وِزْرَ أُخْرَي* وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَي¢. * أخطأنا حينما ترشح أربعة مرشحين إسلاميين دفعة واحدة لتتوزع الأصوات بينهم دون أن يفكر واحد منهم أن يتنازل واحد منهم للآخرين. * وأخطأنا حينما قلنا للناس سنرشح 30% من البرلمان ثم حصلنا علي 70% منه.. وحينما قلنا لن نرشح أحداً للرئاسة ثم رشحنا . * صحيح أن السياسة تحتمل ذلك.. ولكن العوام الذين دغدغت عواطفهم قبل ذلك وحدثهم البعض عن النصر العظيم في غزوة الصناديق.. هم أولئك الذين لا يقبلون الآن تغير الرأي السياسي لدينا ولا يفهمون أن السياسة قابلة للتغيير. * ولو كنا قبل ذلك قلنا لهم ان الانتخابات قبل الدستور أو الدستور قبل الانتخابات هي آراء سياسية محضة.. وأن كلا الرأيين محتمل.. ولا يحمل أحدهما معني الكفر والفسق.. كما لا يحمل أحدهما معني الإيمان أو مدلول اليقين. * لو كنا فعلنا ذلك من قبل لكان من السهل علي العوام من الشعب المصري أن يتفهموا معني تغيير الآراء السياسية هذه الأيام . * ولكننا دوماً نحدثهم عن المطلقات ثم نأتي اليوم لنحدثهم عن أن السياسة ليس فيها مطلقات .. أنهم لن يصدقوننا اليوم لأننا لم نحسن تعليمهم أن الآراء السياسية البعيدة عن ثوابت الإسلام هي آراء ظنية.. ليس فيها حق ولا باطل ولا كفر ولا إيمان.. إنما هو راجح ومرجوح.. وكلها آراء محتملة وأعرف بعض المفكرين والدعاة الإسلاميين أصحاب الأفق الواسع تركوا لأولادهم حرية الاختيار بنعم أو لا.. لأن كلا الرأيين يحتمله الإسلام والدين . * لقد أخطأ المجلس العسكري كثيراً في هذه المرحلة ولم تكن لديه الخبرة الكافية لإدارة هذه المرحلة الحساسة.. وأخطأ الإسلاميون أخطاء فادحة.. وأخطأ الليبراليون والعلمانيون أخطاء مهلكة فقد صوروا الإسلاميين في البداية وكأنهم أعداء للوطن.. أو مدمرين للحضارات أو خصوم لها علي الأقل.. وكانوا يريدون إقصاءهم بأي ثمن حتي لو كان علي حساب عودة نظام مبارك نفسه . * الكل أخطأ وعلي الجميع اليوم أن يستدرك خطأه.