نفي المشاركون في الندوة التي نظمتها الرابطة العالمية لخريجي الأزهر عن "المراجعات الفقهية في العصر الحديث" اتهامات البعض لها بأنها كانت جزءًا من صفقة بين الجماعة الإسلامية وأمن الدولة لتفتيت الإسلاميين.. وأشاروا إلي أن هذه المراجعات نبعت من مفكري الجماعة الإسلامية بكامل إرادتهم إسهاماً منهم في حقن الدماء والتخفيف من الاعتقادات الظالمة وتحسين أوضاع المعتقلين.. وطالبوا بتوثيق تلك المراجعات للتاريخ وتدريسها لطلاب العلوم الشرعية بتوسع ليدركوا ما فيها من تصحيح الأفكار المغلوطة التي تنتسب للإسلام وهو منها براء.. وحثوا علي نقل التجربة إلي مختلف الدول العربية والإسلامية التي تعاني من ويلات الصدام بين الإسلاميين والقائمين علي الحكم فيها. في البداية تحدث الدكتور حسن الشافعي.. مستشار شيخ الأزهر فأوضح أن التحول الفكري الذاتي خاصة للحركات الإسلامية يتصف بالصدق والمكاشفة ويرتبط بالنضج في المحاسبة بعد الدراسة والتأمل ولهذا فإن هذه المراجعات الإسلامية تحتاج إلي التوثيق بالكتابة العملية والفكرية حتي لا تضيع هباء فلا تنتقل إلي غير مفكريه لأن المعرفة والثقافة تراكمية وعدم إغفال ما سبقها من مراجعات وأفكار حتي لا يبدأ كل من يريد مراجعة فكره وتطويره والنقد الذاتي. وأشار الدكتور الشافعي إلي أن فكر المراجعة لدي الحركة الإسلامية قد بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي داخل السجون علي أيدي قادة الإخوان المسلمين ولكنها مراجعات لم توثق باستثناء كتاب "دعاة لا قضاة" مما أضاع علينا تراثاً عظيماً في المراجعات كان من الممكن أن تستفيد منه الأجيال ولهذا فإن المسئولين بالجماعة الإسلامية مطالبين بتأصيل فكر المراجعة حتي يكون أدباً فكرياً تنتفع منه الأجيال القادمة خاصة أن الشباب المصري مستهدف من مختلف التيارات الإسلامية والمعادية للإسلام كما التوثيق مفيد للباحثين والدارسين للفقه والفكر الإسلامي حتي تتم العودة إلي الفكر الأزهري الوسطي المعتدل القائم علي الحوار والتعاون مع جميع البشر بمن فيهم معتنقو الديانات السماوية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي تحث علي نشر روح التسامح والبعد عن التعصب. تدريس المراجعات أكد الدكتور القصبي زلط نائب رئيس جامعة الأزهر سابقاً ومستشار رابطة خريجي الأزهر أن المراجعات الفكرية التي يقوم بها أي إنسان لنفسه أمر محمود لصاحبها ولا ينتقص من قدره أمام الناس بل ينبغي أن تعلي قدره أكثر لأن الرجوع إلي الحق فضيلة والحق أحق وليس عيباً أن يترك الإنسان ما كان عليه إلي ما هو أقرب للحق. وأوضح أنه أثناء قراءته المراجعات كان يشعر أنه يقرأ لبعض شيوخ الأزهر القدامي لما فيها من غزارة العلم والتأصيل الفقهي ورجاحة الفكر والعقل ولو تأملنا تلك المراجعات لوجدنا أنها تمت عن قناعة وفكر وليس عن جبر كما أشيع بسبب النظام السابق وتم اقتناع الجماعة باعتماد الأزهر المرجعية الأولي للوسطية وتم حصر أهم المفاهيم المغلوطة مع محاولة تصحيحها ومن أهمها مفهوم الجهاد والغلو في الدين وترك الوسطية والاعتدال والعقائد التكفيرية كأحكام التكفير علي طوائف بأكملها والتهاون بأرواح أهل الكتاب دون اعتبار لقيمة العدل والإنسانية التي يدعو إليها الإسلام. الاعتراف بالخطأ أوضح الدكتور ناجح إبراهيم مؤسس الجماعة الإسلامية أن المراجعات الفكرية نبعت من أصحابها كمظهر من مظاهر تصحيح المسار والاعتراف بالحق الذي لا نخشي فيه لومة لائم ولهذا قامت قيادات الجماعة الإسلامية الموجودون في المعتقلات منذ مقتل الرئيس السادات إلي تصحيح المسار مستفيدين من النضج الذي وصلوا إليه علي المستوي الفكري والعمري وبدأ التفكير الجدي في المراجعات منذ أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي وذلك لفض الصراع الداخلي بين شباب مصر المسلم ودولته وفتح آفاق جديدة من الأمن والأمان للجميع. وأكد الدكتور ناجح إبراهيم مؤسس الجماعة الإسلامية أن مبادرة وقف العنف والمراجعات هدفها الوحيد مرضاة الله ومصلحة البلاد والعباد ولهذا رفضنا أن نعتلي كراسي القيادة في مصر علي جماجم أهلها وقد تجاوب معنا الأمن إيجابياً حيث بدأ يعامل المعتقلين بآدمية بعدما كان يعذبهم بالتجرد من ملابسهم فترات طويلة وتغيرت المعاملة لدرجة السماح لأعضاء الجماعة بتركيب مراوح ومبردات مياه بالزنازين وقمنا بمحاضرات في كل السجون التي تحسنت أوضاعها ودخلها الآن رموز النظام السابق وهي في أحسن حال بفضل جهودنا مع الأمن. وأشار الدكتور ناجح إبراهيم إلي أن مبادرة المراجعات الفقهية أسهمت في تغيير العلاقة مع الجهات الأمنية للأفضل وفتح باب الحوار البناء والهادي مع ممثلي التيارات الإسلامية الأخري وحين قررت الجماعة الإسلامية الدخول في فكر المراجعة لم تبتدع أمراً جديداً وإنما قتدت بآدم أبو البشر الذي أرسي قواعد المراجعة للنفس عند الخطأ والاعتراف به سعياً للأفضل وقد علمنا القرآن ذلك فقال تعالي : "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وفقه المراجعات ليس بالأمر اليسير وإنما تحتاجه الدولة والجماعات والأسر والأفراد تصحيحاً للأخطاء واستهدافاً للأفضل خاصة فيما يتعلق بالنواحي الفكرية. وأنهي الدكتور ناجح كلامه بالتأكيد علي أن تلك المراجعات التي أقرها علماء الأزهر تعدت فوائدها حدود مصر حيث استفادت منها العديد من البلدان العربية والإسلامية التي تعرفت علي هذه الثقافة الجديدة في مراجعة الأفكار والسلوكيات داخل الجماعة الإسلامية. نرفض التشكيك وتحدث الشيخ كرم زهدي الملقب ب "مهندس مبادرة وقف العنف والمراجعات" فأوضح أنه كان يبتغي هو وقيادات الجماعة وجه الله وحده وليس إرضاء لحاكم أو تقرباً إليه أو التماساً لعفوه مثلما يروج المشككون في النوايا.. ويكفي المبادرة والمراجعة ما أدت إليه من تفريج الكروبات عن المسلمين خاصة الموجودين خلف السوار وشتان بين حياة المعتقلين قبل المبادرة وبعدها وكذلك حقن دماء المسلمين التي كانت تهدر في غير موضعها الصحيح ولهذا فإن فكرة المراجعات أسهمت في إنقاذ المجتمع من نفسه بوأد العداء بين أعضاء الجماعة وبين الشرطة بعد تصحيح فكرة التكفير سواء في المجتمع أو داخل السجون خاصة أتباع التكفير والهجرة.