لا يختلف غير المسلم عن المسلم في سياق تطبيق مبدأ الرعوية الاسلامية أو المواطنة كمبدأ دستوري. فان حقه فيه. ثابت لا سبيل إلي الجدل فيه أو إثارة الشكوك حوله. فالمسلم به تقرير حق المواطنة لغير المسلم في المجتمع الاسلامي وتأمين حقوقه فيه. وضمان تعهد هذه الحقوق والابقاء عليها. وإيجاب المساءلة والمحاسبة لمن يضيعه أو ينتقص منه يشهد لذلك فيما روي عن الرسول صلوات الله عليه: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه. أو كلفه فوق طاقته. فأنا خصيمه يوم القيامة" كذلك في الوثيقة التي كتبها النبي صلي الله عليه وسلم لنصاري نجران ونصها: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله علي أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته وليس عليه دنية ولا م جاهلية ولا يخسرون ولا يعسرون ولا يطأ أرضهم جيش. ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف "العدل" غير ظالمين ولا مظلومين. ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة. ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر. وعلي ما في هذا الكتاب جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله ابدا. حتي يأتي الله بأمره. ما نصحوا وأصلحوا ما عليهم غير متفلتين "متلبسين" بظلم". ونظرة علي ما تضمنته هذه الوثيقة يستبين منها أنها تقرر جملة من الحقوق التي تنطوي علي ان المواطنة في الاسلام حقيقة وممارسة منها: حقوق دينية. وممارسة شعائر عبادية. وحماية حرية العقيدة. وحقوق مدنية وإنسانية. كذلك حقهم في العدالة والانصاف في اقتضاء وتقاضي الحقوق. والمسئولية الشخصية عما اقترفوه من ذنب أو جريمة. وحقهم في الأمان. وواجبهم في النصيحة والاخلاص للوطن. والاصلاح والعمل علي كل ما ينهض بالوطن. فهي وثيقة أخري توجب حقوق وواجبات علي المسلمين للنصاري. وعلي النصاري للمسلمين. واتساقاً مع هذه الحقيقة. أرست السياسة الشرعية قاعدتين يدور عليهما مدار الأمر كله في شأن الحقوق العقدية والمدنية. فالحقوق الدينية أو العقدية تخلص في قاعدة: "أمرنا بتركهم وما يدينون".. والقاعدة المتعلقة بالحقوق المدنية هي: "لهم ما لنا وعليم ما علينا". والقاعدتان هما جماع حقوق الرعوية أو المواطنة. يبرزان علي نحو ساطع ان المواطنة في الاسلام معلومة ومقررة منذ النشأة الأولي للمجتمع والدولة الاسلامية الناشئة في المدينة. وأنها ليست أمرا غريباً أو دخيلا علي الاسلام. كما أنها لم تكن بحال من الأحوال مدخولة علي نظامه في الحكم. وانما كانت جزءاً من سياسته العادلة. وأحكامه الثابتة ومبادئه الأساسية المطبق في واقع المجتمع الاسلامي مع غير المسلمين. في عصور أنكرت فيه الحضارة الرومانية والفارسية هذا الحق علي الأجانب. وعلي الأمم التي كانت تخضع لها. ولا يتعارض مبدأ المواطنة بمفهومه المعاصر مع عقد الذمة. إذ ان ثمة قاسما مشتركا بينهما في أن كلا منهما هو الانسان باعتباره موضع الرعاية والكرامة والحماية. بما يتطلبه ذلك من الاعتراف له بجملة من الحقوق.وفي المقابل فانه يتحمل بالواجبات التي تقتضيها المواطنة أو الذمة الاسلامية. ومع ذلك فان الذمة تمثل التزاما دينيا تجاه غير المسلم. وأحد مسئوليات الفرد والمجتمع والدولة علي سواء لكن المواطنة يغلب عليها الطابع السياسي باعتبارها مبدءا دستوريا. كذلك فانها تشتمل علي جوانب أخري اجتماعية واقتصادية. وقد يجادل البعض في عقد الذمة. علي سند من اقترانه بعقد الجزية. وما يختلط به من مفاهيم خاطئة تتعلق بمعناه وفحواه وما يرتبه من التزامات يحصرها البعض في تفسيرات مغلوطة وتأويلات سقيمة. لا دليل صحيح عليها من النصوص والممارسات الاسلامية في عصر الرسول والراشدين.. وللحديث بقية