"القصاص حياة" جملة مفيدة معانيها نافذة لا تنفد ولا تموت لأنها حية حياة عمرها عمر الاسلام والإنسان. وآية بكل ما تحمل هذه الكلمة من مفهوم ومضمون. وهي أيضا حكمة تشريعية تحمل بين طياتها إعجازا تشريعيا لم تصل إليه حتي الآن السياسات الجنائية والعقابية في كافة النظم القانونية الوضعية الموجودة في العالم. رغم أن ظاهرها التناقض. فقد يؤدي القصاص بحياة الإنسان فتصل العقوبة إلي الإعدام. أي الموت. ولكن مع ذلك فإن الموت هنا حياة للمجتمع. أساس العقوبات الإسلامية "القصاص" فقال الله تعالي في سورة البقرة الآية"179" "ولكم في القصاص حياة" أي التساوي بين الإثم المرتكب والعقوبة الرادعة فقد عبر القرآن عن العقوبة بالمثلات فقال تعالي في عقابه الأمم السابقة سورة الرعد الآية "6" "ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات" أن إن العقوبات مماثلة للذنوب والآثام. فالعقوبات الإسلامية عامة تقوم علي المساواة بين الجرم والعقوبة ولذلك تسمي "قصاصا" وتلك غاية وهدف تسعي إليه كافة النظم القانونية الموجودة في العالم. لم يصل إليها إلا النظام الإسلامي. وقد سميت الحدود حدوداً لأنها تفصل وتمنع وتحجز من الوقوع في الجريمة والإثم. الذي يضر صاحبه يتعداه لغيره. ولأنها تمنع من الإقدام علي ارتكاب المعاصي. وتمنع من العودة للمعصية. ومن رحمة الله سبحانه وتعالي بالناس. أنه لم يترك العقاب علي العدوان علي ثوابت استقرار المجتمعات لتقدير الخلق دون الخالق. لأن ذلك يؤدي لزيادة معدلات الجريمة. لأن من يترك شرع الله سبحانه وتعالي يتخبط. لذلك انتشرت الجرائم في المجتمعات ووصلت معدلات الجريمة فيها أرقام قياسية مخيفة تهدد بأفول نجم الحضارة الغربية. وقد بدأت صيحات التحذير من أفول هذه الحضارة في كل الدول الغربية ومن مضي علي نهجها. ويهدف النظام الجنائي في الإسلام لحفظ الكليات الخمس التي لا تقوم الحياة ولا تستمر بدونها وهي "حفظ النفس. وحفظ الدين. وحفظ العقل. وحفظ النسل. وحفظ المال" وأي جريمة هي اعتداء علي احدي الكليات السابقة. وشرعت كافة العقوبات في الإسلام للمحافظة عليها. وقد اتفق فقهاء الإسلام علي ذلك. لذلك تقرر إقامة العقاب علي أساس حماية المصالح الإنسانية المتمثلة في الأصول الخمس السالفة. واعتبار العقوبة من العدالة. وظهرت منطقية وحيوية ومضمون ومفهوم الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" والملاحظ أن الآية الكريمة اختتمت بالنداء علي "أولي الألباب" أي أصحاب العقول النيرة المفكرة وليس الضالة المظلمة وذلك إعجاز آخر. ورغم أن كافة النظم القانونية الوضعية الموجودة في العالم جرمت الاعتداء علي أي من هذه الأصول الخمسة. لكنها فشلت في المحافظة عليها حتي أن مجتمعات هذه النظم منها ومن انهار تحت وطأة الجريمة ومنها من هو في سبيله إلي الانهيار. فمعدلات الجريمة بلغت أرقاماً قياسية مرعبة تنذر بكارثة محققة في تلك المجتمعات ولم ينجح فيما فشلت فيه هذه النظم الوضعية إلا المجتمعات التي طبقت الشريعة الاسلامية خاصة في السياسة الجنائية من حيث التجريم والعقوبة والمواءمة بينهما. إن القانون ضرورة لا مفر منها للجماعة ولا غني عنها للبشر وهو في حقيقته ليس إلا أداة أوجدتها الجماعة لخدمتها وإسعادها وتستمد القوانين وجودها وشرعيتها من حاجة الجماعة إليها. فوظيفة القوانين عامة هي خدمة الجماعة وسد حاجاتها وإسعادها وتتمثل في تنظيم الجماعة ومنع المظالم وحفظ الحقوق العدالة وتوجيه الشعوب نحو النافع والمفيد. لذلك فإن كل قانون لا تحقق نصوصه هذه الوظيفة أو تخرج عليها يفقد مبررات وجوده ومسوغات مشروعيته. ويعد باطلا لا يطاع ولا يحترم ويجب نبذه وعدم تطبيقه ويكون هادما للمجتمع. وقد ثبت ذلك في القوانين الوضعية البعيدة عن الإسلام والمضادة له. تختلف القوانين باختلاف الأمم الشعوب لأن القانون مرآة صادقة لماضيها وحاضرها. وتعبير عن نشأءها وتطورها وأخلاقها وتقاليدها وآدابها ونظمها ودينها ومعتقداتها. فقانون أي أمة أو شعب يتضمن القيم العليا السائدة في الأمم والشعوب. لذلك وجدنا القوانين تسمي باسم الأمم والشعوب. فهناك القانون الأمريكي والقانون الفرنسي والقانون المصري والقانون السوري وغيرهما. وإذا ثبت انتساب القانون للأمة ثبتت شرعيته وأهليته لحكمها . وطبقه الناس عن رضي نفس وطيب خاطر . لأن الأمة في هذه الحالة تحكم نفسها بنفسها . وتخضع لما تدين به من عقائد وقيم ومثل عليا.