الاعتراف بحق الخصوصية الدينية : مرد ذلك الاعتراف بحق اختيار الدين والبقاء عليه واحترام شعائره لتكريس النموذج الإيماني. وتقوية النسيج المجتمعي. يظهر هذا في قول الوثيقة: وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود. دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم. إلا من ظلم وآثم. فإنه لا يوتغ "يهلك" إلا نفسه وأهل بيته. وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وتوالي الوثيقة سرد طوائف اليهود بني النجار. وبني الحارث. وبني ساعدة. وبني جشم. وبني ثعلبة. وبني الأوس. وبني عوف. بما يؤصل احترام الخصوصية في إطار التعاون. التضامن والتناصح في الشئون المدنية والدفاعية: يتأتي هذا المعني الذي يؤكد علي حتمية العيش المشترك. وأن اختلاف الدين لا يمنع التعاون والتعاضد في شئون المعايش والاجتماع المدني بما ذكرته الوثيقة : وأن علي اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر علي من حارب أهل هذه الصحيفة. وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. وهو تعبير عن المشاركة مع المسلمين في إدارة شئون المجتمع. والتعاون في تصريف أمور الدولة. تقرير الكرامة والبر بغير المسلمين: وهو أصل من الأصول الإسلامية. بما نص عليه قوله تعالي : "ولقد كرمنا بني آدم" [الاسراء:69] وهو ما سطرته الوثيقة في عبارة جلية: "وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم علي مثال ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة. وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا علي نفسه. وأن الله علي أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. احترام حق الأغلبية: من المباديء المستقرة في الأنظمة السياسية أنه ينبغي احترام قانون الجمهور الأعظم من شعب الدولة. وهو المقرر في جميع الأنظمة والشرائع قديماً وحديثاً. والانصياع لسلطان العدالة. لذلك كان الاحتكام في الوثيقة بالتراضي عند المنازعة إلي الإسلام. وهو ما يصدق علي ما جاء في الوثيقة. وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده. فإن مرده إلي الله وإلي محمد رسول الله وأن الله علي أتقي ما في هذه الصحيفة وأبره". الالتزام بالحفاظ ورعاية الوطن وتحريم موالاة الأعداء : فإنه يلزم للابقاء علي الوطن والمحافظة علي أمنه واستقراره أن يلتزم كل فرد فيه بالحرص الدائم عليه. واليقظة المخلصة من الأقلية علي الأمن جنباً إلي جنب مع الأغلبية. علي سند من أنهم شركاء في هذا الوطن ولهم فيه من المزايا والحقوق ما لهم. وعليهم ما عليهم وهذا المعني أبرزته الوثيقة: "وأن سلم المؤمنين واحدة. لا يسالم مؤمناً دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلي علي سواء وعادل بينهم". "وأن المؤمنين المتقين علي أحسن هدي وأقومه". "وأنه لا يجير مشرك ما لا لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه علي مؤمن. وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينهصر محدثاً أو يؤويه. وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة. ولا يؤخذ منه صرف "توبة" ولا عدل "فدية". بناء العلاقات علي أساس السلام الاجتماعي والمودة: منشأ ذلك أن تقدم المجتمعات إنما يتحقق بالسلام والأمان وقاعدته اعتبار السلم والمودة والاستجابة لإصلاح ذات البين أساسا مجتمعنا. مصداقاً لقوله تعالي : "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" [الأنفال/1]. يؤيد هذا قول الوثيقة: "واذا دعوا إلي صلح يصالحونه ويلبسونه "يشتركون فيه" فإنهم يصالحونه ويلبسونه. وأنهم اذا دعوا إلي مثل ذلك. فإن لهم علي المؤمنين إلا من حارب في الدين". ولا شك أن قيام العلاقات بين أفراد وفئات المجتمع وفق هذا النموذج الذي يضع السلم والمودة نصب عينيه. يعد من أفضل الوسائل التي تقوي أساس المجتمع. وتمنع تفجر الصراعات الطائفية فيه. وترسي مقومات السلام الاجتماعي. وتحل الوئام والطمأنينة محل الصراع الديني. والتوتر في العلاقات. وتغلق منافذ الفتنة الطائفية التي يعمل أعداء الإسلام وصالح الوطن علي تأجيجها وتوظيفها لتهديد وحدته وإضعاف كيانه.