ميدان التحرير وشارع محمد محمود .. كتلة ضمت جميع الأطياف والأشكال. "عقيدتي" تجولت .. ورصدت العديد من الصور والمفارقات: الشارع هو بقايا ساحة حرب. كميات هائلة من الطوب مستودعات ذخيرة "طوب" أكوام بالشارع. سيارات محترقة. منازل محروقة. وزجاج مهشم .. ودخان الغازات مازال يدمر العين. ويزكم الأنوف . دروع بشرية من الثوار حوالي عشرة صفوف لمنع التسلل للشارع . ومع وقت المغرب قام أحد الثوار بالأذان بجوار إحدي الآليات العسكرية وصلي من تواجد. بعدها انطلقت طوبه من جهة المتظاهرين وكان الرد عشرات القنابل المسيلة للدموع. * المتجول في محمد محمود يدرك تماما أن الشباب الذي خاض المواجهات طوال الأسبوع الماضي ليس شبابا عاديا بل هو من نوع الشباب الغالي علي أي أمة . ** الشباب الذي يثابر ويمكث بالشارع طيلة أيام في مواجهة آلاف القنابل شباب غير موجه. أو مأمور أو مأجور شباب تحكمه روح التمرد. والصمود. * أحد الشباب به حوالي 7 طلقات خرطوش أشار لي علي إحدي البنايات وقال كنت عليها أياما ألقي بالحجارة والمولوتوف علي رجال الشرطة. ولما رصدوني قنصني أحد أفراد الشرطة ولما سألته عن سبب ذلك قال "الشعب يريد إسقاط المشير" دخل للشارع مرة أخري لعل وعسي تندلع معركة ويمارس هوايته . * أحد ضباط الشرطة الشباب مصاب بكذا طلقة طوب أخبروني قبضنا علي بعض الشباب. وللعلم مدفوع لهم ولما سألناه ومن دفع .. لم يعقب!! * وضع اللجان الشعبية والعيادات الميدانية يؤكد حقيقة مهمة وهي أن الشعب المصري شعب الازمات شعب لا يخشي عليه إذا ادلهمت الأمور .. الشوارع الجانبية لمحمد محمود كلها إدارات معاونة للثوار. عيادات ميدانية صغيرة بكل شارع حتي تكون أقرب للجرحي أطقم الأطباء غاية في الإخلاص والتفاني. إحدي المساحات الواقعة بين العمارات الجانبية التي كانت مصلي من قبل تحولت لمستشفي كبير. تضم نخبة من الأطباء الشباب المخلص. أعداد هائلة من "الموتوسيكلات" تنقل الجرحي لهذه العيادات. ومنها الي سيارات الاسعاف التي لا تستطيع الدخول لهذه الاماكن. سألت أحد الأطباء إن كان في حاجة لأدوية فأكد لدينا الكثير ويفيض .. وأهل الخير كثير. * سيارات تحمل كميات هائلة من البطاطين لتوزيعها علي المعتصمين .. ويحرسها مجموعة من الشباب . * الفضائيات العربية نقلت كاميراتها لشارع محمد محمود حيث استأجرت بعض الشقق لتكون مكانا للبث. ولتسجيل الاحداث الدامية لحظة بلحظة. تقلبات الميدان * إذا انتقلت من خط المواجهة الأول شارع محمد محمود الي ميدان التحرير فلك أن ترصد أشياء عديدة وظواهر كثيرة أهمها: الميدان فيه كل الأطياف .. المجموعات الثورية المتجولة بالهتافات المنددة بحكم المجلس العسكري. ومجموعات متناثرة في حلقات نقاشية غالبا ما تكون بالصوت العالي. * "الباعة الجائلون" في كل مكان.. بائع الذرة المشوي البطاطا. الكشري. الساندوتشات والتي شترتات . الأعلام. اللب. والسوداني . المياه الغازية والمعدنية. واذا أردت الراحة والاستجمام فهناك مقاهي الميدان حيث قام بعض الأفراد بنشر مجموعة من الكراسي وعمل المشروبات الشاي والقهوة .. والاسعار عادية غير سياحية. * مجموعات من الشباب تأتي من الشوارع المؤدية للتحرير تهتف بأن شباب الجامعات "أهم" .. ليذوبوا في التجمعات داخل الميدان. * مجموعات كثيرة من الاسر تصطحب أطفالها لتتجول في الميدان . من باب الفرجة. أو المشاركة الوجدانية. أو إمتاع الاطفال بالمشهد الوطني الرهيب. شباب الحب والحنان.. يظهر في الاماكن الخالية المتاخمة للميدان.. بدل الجلوس علي ضفاف النيل . شهيد تايه * من الأشياء الطريفة التي اخرجتنا من الجو العام الذي نعيشه وعند شارع قصر العيني حيث أتت جنازة لأحد الشهداء. دخلت الي مسجد عمر مكرم من خلف مجمع التحرير. وتقدمت من الميدان سيارة اسعاف لنقل الجثة. وهنا تحدث السائق علي الميكروفون بقوله "محدش شاف شهيد ماشي هنا" وهنا قطعت الضحكات البكاء علي الشهداء. في العباسية الشعب يريد بقاء المشير.. يا مشير قول لعنان مصر دولة مش ميدان.. الجيش والشعب والشرطة ايد واحدة.. يا مصر يا عيني عليكي الأحزاب بتقسم فيكي. تعالت أصوات الأغلبية الصامتة بعد أن فاض بها الكيل.. فخرجت مجتمعة في ميدان العباسية والشوارع المحيطة بها وهي تردد هذه الشعارات وغيرها مطالبة ببقاء المجلس العسكري لإدارة شئون مصر لحين استقرار البلاد. هكذا زأرت الأغلبية مطالبة ببقاء المشير رافضة تماما ما ينادي به البعض في ميدان التحرير وانتقال السلطة من العسكري إلي المدني في ظل حالة الفوضي والانفلات الأمني في البلاد. تحت شعار "جمعة اتقوا الله في مصر" خرجت هذه الأغلبية مؤيدة لبقاء المجلس العسكري حتي إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وقالوا انهم لن يصمتوا بعد اليوم بعدما فاض الكيل لأن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة الباقية والتي تمثل الشرعية وبدونها تسقط مصر ويحدث ما لا يحمد عقباه. من كل الفئات والمحافظات جاءوا لا ليعترضوا علي الثورة وما حققته لمصر وما قام به الشعب الثائر الواعي الذي أسقط الفساد ولكن علي ديكتاتورية البعض من أصحاب الأجندات والمصالح الذين لا يريدون الخير لمصر في مقابل تحقيق أهدافهم وأجنداتهم.. ولن يتأتي لهم ذلك إلا برحيل العسكري. الميدان امتلأ عن آخره بالمتظاهرين السلميين احتجاجا علي ديكتاتورية البعض في التحرير الذين تركوا بلدهم لأصحاب الأهواء رافضين الاستجابة للصوت الهادئ.. مرددين سنظل وراء العسكري حتي يعود الأمن والأمان للبلاد ويعود العسكري لثكناته حاميا حمي البلاد. من كل الأطياف جاءوا رجالا ونساء أطفالا وشبابا وشيوخا ليقولوا كلمتهم في حب مصر وحفظا لها من كل مكروه. الدكتور عادل المراغي خطيب مسجد النور بالعباسية والذي آم المصلين في صلاتي المغرب والعشاء بالميدان قال: شاركت وما أزال في ميدان التحرير وقمنا بعمل رائع سيسجله التاريخ بحروف من نور حيث أسقطنا النظام الفاسد الذي جثم علي صدورنا سنين طوال لكننا في نفس الوقت لا نريد أن تسقط مصر.. فالجيش هو الذي حمي الثورة والثوار ووقف بجانبهم ولايزال وهو الآن يسعي لدعم الاستقرار للبلاد.. وعندما يتحقق ذلك يرحل لثكناته ويسلم مصر لشعبها آمنة مطمئنة.