** سأل احمد حسين : يعترض كثير من الناس علي إطلاق لفظ الشهيد والشهداء علي أشخاص معينين ممن يقتلون في معارك جهادية وقضايا عادلة. فما رأي فضيلتكم؟ * أجاب المفكر الإسلامي المغربي الدكتور أحمد الريسوني قرأت لعدد من المشايخ المعاصرين. وسمعت من بعضهم علي الفضائيات. اعتراضهم علي إطلاق لفظ الشهيد والشهداء علي أشخاص معينين ممن يقتلون في معارك جهادية وقضايا عادلة. وقال بعضهم : "لو رأينا رجالا يقاتلون ويقولون : نحن نقاتل للإسلام دفاعا عن الإسلام. ثم قتل أحد منهم. فهل نشهد له بأنه شهيد؟ فالجواب : لا. لا نشهد بأنه شهيد..". وقال : "هذا حرام فلا يجوز أن يشهد لكل شخص بعينه بالشهادة" "الكلام للشيخ العثيمين رحمه الله. من موقعه الالكتروني". وأهم دليل يستدلون به علي هذا الاعتراض والمنع من إطلاق وصف الشهادة علي أشخاص معينين. هو قول الإمام البخاري في صحيحه : "باب لا يقول فلان شهيد. قال أبوهريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم : الله أعلم بمن يجاهد في سبيله. والله أعلم بمن يكلم في سبيله". وفي الباب حديث طويل. نتيجته وحكمه العام في قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث : "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة". كما يستدلون بحديث الإمام مسلم وغيره عن عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد. فلان شهيد. حتي مروا علي رجل فقالوا فلان شهيد. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة". ويستدلون أيضا بقول لعمر رضي الله عنه في هذا المعني. وقبل الرد علي هذا الرأي وما بني عليه من فهم. لابد من تقرير أمر متفق عليه. حتي لايبقي في محل النزاع والنقاش. وهو : ان مقام كل واحد وحقيقته عند الله. ومآله في الدار الآخرة. لا يعلمه يقينا إلا الله تعالي. فهو سبحانه وحده الذي يعلم المؤمن حقا. والشهيد حقا. والسعيد حقا. ويعلم وحده من هو من أهل الجنة ومن هو من أهل النار. ومن هو المغفور له وغير المغفور له. وحتي أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام. فلا علم لهم بشيء من ذلك. إلا ما أعلمهم إياه وأوحي إليهم به. فهذا لا نزاع فيه. ولكن هذا لايمنع من اطلاق وصف الشهيد علي شخص معين أو جماعة معينة من الناس. بل إن هذا الإطلاق موافق للشرع عموما وللسنة النبوية خصوصا. وبيان ذلك وأدلته ما يلي. 1 حديث عمر المتقدم ذكره. وفيه : "أقبل نفر من صحابة النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد. فلان شهيد. حتي مروا علي رجل فقالوا فلان شهيد. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة". فالحديث صريح في أن الصحابة وهم يستعرضون نتائج المعركة سموا شهداءهم في معركة خيبر. وأنهم فلان وفلان وفلان... ولم يعترض رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا علي واحد فقط ممن سموهم. وذلك لما علمه من حاله وحقيقة فعله. بمعني أن الرسول لم يعترض علي وصف صحابة معينين بالشهداء. بل أقر ذلك. فهي بذلك سنة تقريرية. لكنه اعترض علي حالة معينة لها سببها الذي علمه بوحي من الله تعالي. 2 ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه "عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه استشهد يوم أحد. وترك ست بنات وترك عليه دينا. فلما حضر جداد النخل "1" أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد.." الحديث. ففي هذا الحديث أيضا وصف الصحابي لوالده عبدالله الأنصاري بكونه شهيدا. وفيه إقرار النبي صلي الله عليه وسلم لذلك. فهي سنة تقريرية كذلك. 3 ما شاع عند الصحابة فمن بعدهم من تسمية من قتلوا في سبيل دينهم بالشهداء. ومنهم سمية أم عمار رضي الله عنهما. التي توصف دائما بأنها أول شهداء الإسلام. ففي مصنف ابن أبي شيبة "عن مجاهد قال : أول شهيد استشهد في الاسلام أم عمار. طعنها أبوجهل بحربة في قلبها". وفي مصنف ابن أبي شيبة أيضا "عن سعد بن عبيد القاريء يوم القادسية : إنا لاقو العدو غدا إن شاء الله. وإنا مستشهدون. فلا تغسلوا عنا دما ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا". ومن هنا قال الحافظ ابن حجر "أطبق السلف علي تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء". ومعلوم أن هؤلاء الشهداء معروفون بأعيانهم. ومذكورون بأسمائهم. 4 من المعلوم أن للشهداء القتلي أحكاما خاصة في تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم. وتفاصيل ذلك مبنية في كتب الحديث والفقه.. ومراعاة هذه الخصوصيات تتوقف ضرورة علي إعطاء صفة شهيد لهذا الميت أو ذاك. فكل هذه الأدلة تفيدنا أن إطلاق وصف الشهيد علي أشخاص معينين جائز في مواضعه. وقد يكون متعينا. وأنه قد جري العمل به من أيام رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم. وأما الآثار التي يتعلق بها المعترضون. فالمقصود بها التنبيه علي أن هناك حالات يكون باطن أصحابها علي خلاف ظاهرهم. فلا ينبغي الجزم علي ما هو غيب عند الله. وإنما نحن نحكم بالظواهر والله يتولي السرائر. فالحكم بأن فلانا شهيد. أو بأن هؤلاء شهداء. إنما هو من باب حسن الظن والبناء علي ظاهر الأمور. فهو جائز لا إشكال فيه. وأما الاسترسال فيه بلا ضابط. والجزم بذلك رجما بالغيب. فهذا لا يصح ولا ينبغي. وفي هذا جاء ما جاء عن عمر رضي الله عنه. وعليه يحمل كلام الإمام البخاري. ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الفتح "قوله "أي البخاري" : باب لا يقال فلان شهيد. أي علي سبيل القطع بذلك إن كان بالوحي.. وإن كان مع ذلك يعطي حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة". وفي حاشية السندي علي صحيح البخاري : "قوله : "باب لا يقول فلان شهيد" أي : بالنظر إلي أحوال الآخرة. وأما بالنظر إلي أحكام الدنيا فلا بأس". ومعلوم أن تحسين الظن بظواهر الناس وترك سرائرهم لربهم. أصل مكين ومسلك أمين. وفي ومستدرك الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إذا رأيتم الرجل يلزم المسجد فلا تحرجوا أن تشهدوا أنه مؤمن. فإن الله يقول : "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله". والواقع أن من يعمر المسجد قد يكون مؤمنا وقد لايكون. فالمسجد يعتاده المؤمنون وهو الغالب والظاهر. وقد يعتاده منافقون. وقد يعتاده جواسيس من اليهود والنصاري والملحدين.. وحتي المسجد الحرام قد يدخله بعض هؤلاء لأغراضهم المختلفة.ولكن هذا كله لايمنعنا من وصف كافة رواد المساجد بالمؤمنين والشهادة لهم بالايمان. لكننا لا نقطع لهم بذلك. فهكذا أمر الشهادة والشهداء. والله أعلم.