نواصل حديثنا عما ذكره ابن تيمية عن التصوف فنقول وبالله التوفيق الثاني: "السنة المتواترة" التي لا تخالف ظاهر القرآن. بل تفسره مثل أعداد الصلاة وأعداد ركعاتها. ونصيب الزكاة وفرائضها. وصفة الحج والعمرة. وغير ذلك من الأحكام التي لم تعلم إلا بتفسير السنة. الطريق الثالث: "السنن المتواترة" عن رسول الله " إما متلقاة بالقبول يبن أهل العلم بها. أو برواية الثقات لها. وهذه أيضاً مما اتفق أهل العلم علي اتباعها من أهل الفقه والحديث والتصوف وأكثر أهل العلم. وقد أنكرها بعض أهل الكلام. وأنكر كثير منهم أن يحصل العلم بشيء منها. وإنما يوجب العلم. فلم يفرقوا بين المتلقي بالقبول وغيره. الطريق الرابع: "الإجماع" وهو متفق عليه من بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة. وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة. لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة. وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالباً. الطريق الخامس: "القياس علي النص والإجماع" وهو حجة أيضاً عند جماهير الفقهاء. ولكن كثيراً من أهل الرأي أسرف فيه حتي استعمله قبل البحث عن النص. وحتي رد به النصوص وحتي استعمل منه الفاسد. ومن أهل الكلام وأهل الحديث وأهل القياس من ينكره رأساً. وهي مسألة كبيرة. والحق فيها متوسط بين الإسراف والنقض. الطريق السادس: "الاستصحاب" وهو البقاء علي الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع. وهو حجة علي عدم الاعتقاد بالاتفاق. وهل هو حجة في اعتقاد العدم؟ فيه خلاف. الطريق السابع: "المصالح المرسلة" وهو أن يري المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة وليس في الشرع ما ينفيه. فهذه الطريق فيها خلاف مشهور. فالفقهاء يسمونها "المصالح المرسلة" ومنهم من يسميها "الرأي" وبعضهم يقرب إليها "الاستحسان". وقريب منها: ذوق الصوفية ووجدهم وإلهاماتهم. فإن حاصلها أنهم يجدون في القول والعمل مصلحة في قلوبهم وأديانهم ويذوقون طعم ثمرته. وهذه مصلحة. لكن بعض الناس يخص المصالح المرسلة بحفظ النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان. وليس كذلك. بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي دفع المضار. وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين. وجلب المنفعة يكون في الدينا وفي الدين. ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال التي يقال فيها مصلحة للخلق من غير حظر شرعي. وفي الدين ككثير من المعارف والأحوال والعبادات والزهادات التي يقال فيها مصلحة للإنسان من غير منع شرعي. فمن قصر المصالح علي العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم فقط فقد قصر. وهذا فصل عظيم ينبغي الاهتمام به. فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم. وكثير من الأمراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها بناء علي هذا الأصل. وقد يكون منها ما هو محظور في الشرع ولم يعلموه. وربما قدم علي المصالح المرسلة كلاماً بخلاف النصوص. وكثير منهم من أهمل مصالح يجب اعتبارها شرعاً بناء علي أن الشرع لم يرد بها. ففوت واجبات ومستحبات. أو وقع في محظورات ومكروهات. وقد يكون الشرع ورد بذلك ولم يعلمه. إصلاح القلب مقدم علي العبادة: 7- وذكر أيضاً في "مجموع الفتاوي" الجزء الحادي عشر ص 381: "وسئل: أيما أولي: معالجة ما يكره الله من قلبك مثل الحسد والحقد والغل والكبر والرياء والسمعة ورؤية الأعمال وقسوة القلب وغير ذلك مما يختص بالقلب من درنه وخبثه. أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة من الصلاة والصيام وأنواع القربات من النوافل والمنذورات مع وجود تلك الأمور في قلبه؟ أفتونا مأجورين. فأجاب: الحمد لله. من ذلك ما هو عليه واجب. وإن للأوجب فضل وزيادة كما قال تعالي فيما يرويه عنه رسوله ": "ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه". وللحديث بقية العدد القادم