نواصل حديثنا فنقول وبالله التوفيق "1" فأما "صوفية الحقائق" فهم الذين وصفناهم. "2" وأما "صوفية الأرزاق" فهم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك. فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز. وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط:- أحدها: العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم. والثاني: التأدب بآداب أهل الطريق. وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات. وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها. والثالث: أن لا يكون أحدهم متمسكاً بفضول الدنيا. فأما من كان جماعاً للمال. أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة. ولا يتأدب بالآداب الشرعية. أو كان فاسقاً فإنه لا يستحق ذلك. "3" وأما "صوفية الرسم" فهم المقصرون علي النسبة. فهمهم في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك. فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر علي زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم. الفقير والصوفي والولي: "ثم بسط في البحث عن لفظ "الفقير" حتي قال": لكن لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب. صار الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد وهو من جنس التصوف. فإذا قيل: هذا فيه فقر أو ما فيه فقر لم يرد به عدم المال. ولكن يراد به ما يراد باسم الصوفي من المعارف والأحوال والأخلاق والآداب ونحو ذلك. وعلي هذا الاصطلاح قد تنازعوا أيهما أفضل: الفقير أو الصوفي؟. فذهب طائفة إلي ترجيح الصوفي كأبي جعفر السهروردي ونحوه. وذهب طائفة إلي ترجيح الفقير كطوائف كثيرين. وربما يختص هؤلاء بالزوايا وهؤلاء بالخوانك ونحو ذلك. وأكثر الناس قد رجحوا الفقير. والتحقيق: أن أفضلهما أتقاهما. فإن كان الصوفي أتقي لله كان أفضل منه. وهو أن يكون أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه. فهو أفضل من الفقير. وإن كان الفقير أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه كان أفضل منه. فإن استويا في فعل المحبوب وترك غير المحبوب استويا في الدرجة. و"أولياء الله" هم المؤمنون المتقون سواء سمي أحدهم: فقيراً أو صوفيا أو فقيها أو عالماً أو تاجراً أو جندياً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك. قال الله تعالي: "أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفى عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" "يونس : 62". 2- وذكر في "مجموع الفتاوي" الجزء الحادي عشر ص 25: "وسئل: ما تقول الفقهاء رضي الله عنهم في رجل يقول: "إن الفقر لم نتعبد به ولم نؤمر به ولا جسم له ولا معني. وأنه غير سبيل موصل إلي رضا الله تعالي وإلي رضا رسوله. وإنما تعبدنا بمتابعة أمر الله واجتناب نهيه من كتاب الله وسنة رسوله ". وإن أصل كل شيء العلم والتعبد به والعمل به والتقوي والروع عن المحارم. و"الفقر" المسمي علي لسان الطائفة والأكابر هو الزهد في الدنيا يفيده العلم الشرعي فيكون الزهد في الدنيا العمل بالعلم وهذا هو الفقر. فإذا الفقر فرع من فروع العلم والأمر علي هذا. وما ثم طريق أوصل من العلم والعمل بالعلم علي ما صح وثبت عن النبي ". ويقول: "إن الفقر المسمي المعروف عند أكثر أهل الزي المشروع في هذه الأعصار من الزي والألفاظ والاصطلاحات المعتادة غير مرضي لله ولا رسوله" فهل الأمر كما قال أو غير ذلك؟ أفتونا مأجورين.