بعد تخلصنا من رموز عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تخيل بعض المسئولين أن تخليص الناس من الهيئات التي كانت تعمل وقت الرئيس السابق سيرضي جماهير الثورة.. هكذا اعتقد بعض المسئولين علي ما يبدو وإلا بماذا نفسر قيام المسئولين داخل هيئة الرقابة علي المصنفات الفنية بالدعوة إلي إلغاء هذا الجهاز وكأن وجود هذه الهيئة هو الذي أوقف تقدم الدولة المصرية وهو السبب في تأخر المجتمع المصري وانتشار الفقر في ربوعها وتغلغل الفساد في شتي أرجائه.. أنا شخصياً لا أري سبباً لإصرار وزير الثقافة ورئيس هيئة الرقابة علي المصنفات الفنية علي إلغاء الهيئة إلا حب الظهور والسعي لمطاردة الكاميرات خاصة وأن رؤساء الهيئة ومنذ عهد الدكتور مدكور ثابت وهم يمررون الكثير من المشاهد التي يرفضها الرقباء حتي ولو احتوت علي أمور ترفضها عادات وأخلاقيات المجتمع المصري.. "عقيدتي" قررت فتح باب المناقشة حول هذه القضية والتفاصيل في السطور التالية: بداية فإن رئيس هيئة الرقابة علي المصنفات الفنية الدكتور سيد خطاب رجل لم يترك وسيلة إعلامية واحدة إلا وتواصل معها طالبا منها عرض وجهة نظره المطالبة بإلغاء الرقابة علي المصنفات الفنية والغريب أنه اكتفي بوجهة نظره هو فقط رغم أنه جديد علي هيئة المصنفات الفنية ولم يعمل فيها منذ فترة طويلة مثلاً حتي نقول أنه اكتشف بعد سنوات طويلة من العمل في الرقابة أن وجودها مثل عدمه وأن تحويلها لجهاز حماية الملكية الفكرية فقط هو أفضل الحلول وليس هذا فحسب ما يؤخذ علي الدكتور سيد فالغريب أنه وسط خضم التصريحات وسيل التحليلات والرؤي حول أسباب إلغاء الرقابة لم يناقش تلك الفكرة نهائياً مع رقبائه رغم أنهم أجدر علي تقييم عمل الهيئة التي ينتمون لها وكان من الممكن أن يعقد معهم ولو لقاء واحد يستطلع فيه رأيهم وإيجابية وسلبية فكرته العبقرية التي تخيل أن شباب الثورة سوف يهللون لها ويرفعون صوره في ميدان التحرير مطالبين بتوليه منصب الوزير بعد أن نجح في إلغاء هيئة كانت تمثل فلتراً ضعيفاً للغاية ينقذ المشاهد المصري والعربي والمسلم من طيش بعض من يسمون أنفسهم مبدعين. وقد أدي تجاهل خطاب لرقبائه إلي قيامهم بإرسال خطابات ورسائل إلي مجلس الوزراء والمجلس العسكري والعديد من الجهات الأخري يطالبون فيها بوقف مخطط رئيس الهيئة مؤكدين علي خطورة أفكاره علي أمن المجتمع خاصة في ظل تزايد النشاط التكفيري في المجتمع ولجوء البعض لتنفيذ الحدود بنفسه مثلما حدث في القليوبية وقنا والمنوفية فلو انصاع المجتمع لما يفكر فيه خطاب - يقول أحد الرقباء - فسوف نفاجأ بأفلام تحتوي علي مشاهد ما أنزل الله بها من سلطان ووقتها سنفاجأ بإحدي تلك الجماعات التي انتشرت في مجتمعنا تنال من المخرج والممثلين وهو ما سيفتح الباب واسعاً أمام غرق المجتمع المصري في بحر من الفتنة. يضيف الرقيب الذي فضل عدم ذكر اسمه: أنا أندهش من الجرأة التي تحلي بها رئيس الرقابة فجأة فقبل 25 يناير كنا نعاني الأمرين عندما يأتينا سيناريو فيلم متميز ولكن يصمم هو علي رفضه لا لشيء إلا لأنه يلمح مجرد التلميح إلي رفض الشارع لفكرة التوريث أو يناقش الفكرة ولو من بعيد أو يناقش تغلغل الفساد في أروقة النخبة الحاكمة حيث كان خطاب يضع خطوطاً حمراء غير قابلة للنقاش حيال مناقشة أي أمر يخص النخبة السياسية لدرجة أنه منع سيناريو فيلم لا لشيء إلا لأنه يتناول فساد شخصيات في الحزب الحاكم في الدولة التي يتناولها الفيلم حيث وجد أن المؤلف يقصد بها شخصيات مثل أحمد عز وغيره من رجال العهد البائد. يضيف الرقيب: في الوقت الذي كان الدكتور سيد يرفض أي أفكار سياسية تحتوي علي تلك الأفلام كان يفتح الباب علي البحري لأي تجاوزات أخلاقية تحتوي عليها تلك الأفلام وكثيراً ما ظل يمرر فيلماً ما علي الرقباء حتي يجد أحد يوافق عليه وأتذكر أنه ذات يوم قام بتمرير أحد الأفلام لنجمة اشتهرت بمشاهدها الفاضحة علي أكثر من 12 رقيباً رفضوا كلهم الفيلم رفضاً باتاً لإحتوائه علي مشاهد خارجه ففوجئنا به يقول الفيلم سوف يعرض وسأوافق عليه حتي لو رفضه كل رقباء الهيئة وقد لا يعلم الكثيرون أن إلغاء الرقابة يعني وجود أفلام تحتوي علي مشاهد فاضحة لا تقبلها الأسرة المصرية فإلغاء الرقابة يعني ايضا ظهور أفلام تحثنا صراحة علي الفتنة الطائفية ويكفي أن أشير هنا إلي أحد الأفلام التي ينتظر صاحبها بفارغ الصبر إلغاء الرقابة لعرضها وهو فيلم يقوم علي سيناريو يظهر فيه المسلم وهو يمارس الجنس مع المسيحية والمسيحي وهو يمارس الجنس مع المسلمة والمنتقبات لا يفعلن إلي التفكير في خيانة أزواجهن وأنا أسأل فقط من يفكرون في إلغاء الرقابة كيف سيكون الوضع إذا تم عرض مثل هذا الفيلم؟ رقيب آخر يقول: قد لا يعلم الكثيرون أن أفلام المهرجانات السينمائية التي تقام في مصر لا تراقب ولعلنا نتذكر الضجة الأخلاقية التي تثيرها أفلام مهرجان القاهرة السينمائي بسبب مشاهد الإباحية المبالغ فيها بسبب عدم خضوعها لمقص الرقيب وقد لا يعلم الكثيرون ايضا أنه بخلاف المشاهد غير اللائقة فإن الرقباء كثيراً ما يتدخلون لحماية أمننا القومي وتاريخنا فكثيراً ما تأتينا أفلام تحاول تشويه نضال الشعب الفلسطيني وإظهار هذا الشعب علي أنه هو الذي فرط في قضيته فهل نعرض مثل هذه الأفلام علي الشباب؟ كذلك هناك أفلام صادمة فكرياً ويؤدي عرضها إلي بث الفتنة في المجتمع مثل الأفلام التي تتحدث عن الخلافات الدينية أو الطائفية وغيرها. وقبل أن نرصد آراء العلماء كان لابد من أن نستمع للجماهير حيث يقول رمضان جنيدي موظف: لا أعرف كيف يفكر هذا الرجل الذي اعترف بنفسه أنه لم يعمل في الرقابة إلا لمدة عام واحد فكيف أدرك بهذه السرعة أهمية إلغاء الرقابة انا أري انه أحد الذين يحاولون الركوب علي الثورة بأي ثمن دون حتي أن يدرك خطورة ما يفعله هو يريد أن يقول عنه الناس انه ثوري حتي لو أدي ذلك إلي إغراق المجتمع في فوضي أخلاقية لا مثيل لها. وفي استطلاع للرأي طرحته شبكة محيط الإلكترونية أكد المشاركون رفضهم إلغاء الرقابة وشارك في هذا الاستطلاع 2113 حيث رفض فكرة الإلغاء 1468 صوتاً بنسبة 47.69%. بينما وافق علي إلغائها 494 صوتاً بنسبة 38.23%. في حين أظهر الاستطلاع أن 151 صوتاً أي بنسبة 15.7% لا يهتمون. الممثلون أنفسهم اختلفوا حول إلغاء الرقابة فخالد يوسف وإيناس الدغيدي علي سبيل المثال وهما المعروفون باحتواء أفلامهما علي الكثير من المشاهد المثيرة أعلنا صراحة رفضهما للرقابة مطالبين بإلغائها لأنها تقتل الإبداع بحسب اعتقادهما في حين قال الممثل خالد صالح إنني مع إلغاء الرقابة ولكنني أخشي من طوفان الانفلات الأخلاقي ونحن لدينا أشخاص ليس لديهم وازع أخلاقي أو ديني لهذا فقبل أن يفكر أصحاب فكرة إلغاء الرقابة في إلغائها أن يفكروا في كيفية الحفاظ علي أعيننا من مشاهدة أشياء تخجل أسرنا. أوضح صالح أنه يؤيد إلغاء الرقابة علي المصنفات الفنية. إلا أنه شدد في الوقت نفسه علي خوفه من عدم وجود الرقابة الأخلاقية والدينية عند البعض. واشترط لإلغاء الرقابة وجود ضمانة بعدم انتشار الأفلام المخلة ودخولها المنازل من التليفزيون. الدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية يقول من جانبه: إلغاء الرقابة أمر لابد أن يتم مناقشته بشكل موسع قبل إقراره فلا يصح أن يأتي مدير الهيئة ويقول أنا سألغي الرقابة ليأتي مدير آخر ويقول أنا سأعيدها فالفيصل في كل هذا يعود لكيفية الحفاظ علي أمن المجتمع أخلاقياً واجتماعياً فلا يجوز أن تتسلل إلينا مشاهد ما أنزل الله بها من سلطان تحت ستار حرية الإبداع ولابد أن نعي أن الإسلام أتاح للإنسان حرية في اختيار دينه مكفولة بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالي: "لكم دينكم ولي دين" فكيف يطلق الإسلام أهم الحريات وهي حرية الاعتقاد ويقيد حرية الإبداع أو حرية الرأي والفكر لكن هذا لا يعني أن نترك الأمر هكذا فقد حرص الإسلام علي وضع ضوابط لتنظيم وحماية حرية الرأي والإبداع من الأهواء التي قد تضر بالإنسان فحرية الإبداع الإنساني في الإسلام مكفولة بلا شروط إلا أن يكون هذا الإبداع لصالح الإنسان وخطوة من خطوات رقيه وتطوره ولهذا فالتاريخ الإسلامي يوضح لنا كيف أبدع المسلم علوماً وفنوناً وفلسفات ولم يبدع أسلحة تدمر وتخرب ولم تقدم الحضارة الإسلامية ما قدمته الحضارات الأخري من ألوان المتع الرخيصة التي تهبط بالإنسان من مسكرات ومخدرات وجنس وكل ألوان المغيبات وغيرها مما يعطل مسيرة الإنسان نحو التطور والارتقاء بل قدمت لنا الحضارة الإسلامية إبداعاً خلاقاً نافعاً من علوم مزدهرة وفكر راق فإذا كان إلغاء الرقابة يعني تخليصنا من مشاهد الجنس والمخدرات والمسكرات وتعيد تقديم دراماً ملتزمة أخلاقياً فأهلا بهذا الإلغاء أما أن نلغي الرقابة لتزيد الأفلام من مساحة الإباحية فهذا مرفوض وكان الأولي بالمسئولين التفكير في كيفية هيكلة تلك المنظومة الرقابية لتلعب دورها في حماية المجتمع المسلم من شطط البعض ممن يطلقون علي أنفسهم مبدعين وهم لا علاقة لهم بالإبداع من قريب أو بعيد.