استند كذلك إلي الاحترام والتقدير اللذين يبثهما ابن تيمية في كتاباته للشيخ عبد القادر. فهو في رسائله وكتبه يشير إلي الشيخ عبد القادر بنفس المستوي الذي يشير فيه إلي الإمام ابن حنبل من خلال الألقاب التي يسبغها عليه. فهو "قطب العارفين" وهو "شيخنا أبو محمد قدس الله روحه" وهو "أعظم زمانه أمراً بالتزام الشرع" و "الشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشايخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع والأمر والنهي وتقديمه علي الذوق. ومن أعظم المشايخ أمراً بترك الهوي والإرادة النفسية". وإذا ضرب ابن تيمية مثلا قال: "ولهذا كان الشيخ عبد القادر ونحوه من المشايخ" وهو كثير الاستشهاد به كنموذج يقتدي به في الاعتقاد والسلوك. وكذلك شرح ابن تيمية مقتطفات كثيرة من أقوال الشيخ عبد القادر وشرح كتابه فتوح الغيب في مئات الصفحات التي تضمنها المجلد العاشر من الفتاوي والمسمي كتاب علم السلوك وخلال هذه الشروح يقدم ابن تيمية الشيخ عبد القادر كنموذج يجسد الإلتزام الصحيح بالكتاب والسنة. وهناك بعض الإشارات في كتب ابن تيمية تدل علي أنه كان لأسرته صلة روحية بالشيخ عبد القادر فمثلا يذكر في كتاب علم السلوك ما يلي: [حدثني أبي عن محي الدين النحاس وأظنني سمعتها منه أنه رأي الشيخ عبد القادر في منامه وهو يقول إخباراً عن الحق تعالي: "من جاءنا تلقيناه.." ثم معني في شرح هذه العبارة في صفحة]. أ.ه. وقال في صفحة "179" ما نصه: "ومهما كان الأمر فإن الموقف الذي اتخذه ابن تيمية من الصوفية تميز بأمرين: الأول: إنه تعامل مع الصوفية بنفس الأسلوب الذي تعامل به مع الفقهاء والمذاهب الفقهية وعلماء الكلام. فهو يري أن شيوخ التصوف الأوائل قيدوا علومهم وتربيتهم بالكتاب والسنة. أما المتأخرون فقد ضل كثير منهم بتأثير الأفلاطونية الجديدة التي تسربت إلي الفكر الإسلامي عامة خلال ترجمة العلوم اليونانية وانحرفوا بعيداً عن الطريق الصحيح للزهد والتربية الروحية. والثاني: أن ابن تيمية لم يرفض التصوف جملة. وإنما انتقد ما طرأ عليه من خروج عن الأهداف الأولي ومناهج التربية والسلوك الأولي. وفي ذلك يقول: "والصوفية بنوا أمرهم علي الإرادة ولا بد منها. لكن بشرط أن تكون إرادة الله وحده بما أمر". ويقول أيضاً: "وما وقع في هؤلاء من فساد الإعتقاد والأعمال أوجب إنكار طوائف لأصل طريقة المتصوفة بالكلية حتي صار المنحرفون صنفين: صنف يقر بحقها وباطلها. وصنف ينكر حقها وباطلها. كما عليه طوائف من أهل الكلام والفقه. والصواب: إنما هو الإقرار بما فيها وفي غيرها من موافقة الكتاب والسنة. والإنكار لما فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة" أ.ه.