لا أحد يستطيع أن يمنع حصاناً من الركض والفوز في ميدان السباق .. ولا أحد يستطيع أن يمنع شخصاً من التعبير عما في قلبه من خواطر إيمانية ويأخذ مكانه في سباق التفسير .. هذا حق طبيعي .. فنحن مع كل من يركض بمهارة وحضارة وتناسق ودراية بأمور الدين .. لكن .. الذي حدث أن بعض العقول التي تسللت إلي الميدان لا تصلح لأي شئ .. وسيطرت المخاوف علي الناس .. أن يقعوا في المحظور .. أن يقعوا فيما يسمي : " أوحال التوحيد " . هل للتوحيد أوحال ؟ .. ما هي ؟ .. من الذي يقع فيها ؟ .. وكيف يمكن النجاة منها والابتعاد عنها ؟ .. ببساطة : من يعرض شيئاً إيمانياً بغير علم يمكن أن يلحد .. أو يمكن أن يقع فيما يمكن أن نسميه " الشرك الخفي " .. يقول سبحانه وتعالي : ¢ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهُم مشركون ¢ .. فالطريق إلي جهنم مفروش بالنيات الطيبة أحياناً .. يقول سبحانه وتعالي : ¢ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ¢ .. كيف ذلك؟ . ربما يختلط علي البعض منطوق العبارة فيعتقد أن الله سبحانه وتعالي قد حل في مخلوق أو اتحد معه أو يشبِّه الخالق بشئ في خلقه أو يعطل فعل أسمائه .. بعبارة أخري أبسط فإن أوحال التوحيد أربعة : "الحلول .. الاتحاد .. التشبيه .. التعطيل " .. وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقتضيات الألوهية وهي : " السبق .. الإطلاق .. السرمدية .. الذاتية " . فمن ادعي أن الله حل في رسوله أو اتحد معه أو يشبهه أو يقوم مقامه بغير إذن فقد انزلق إلي هذه الأوحال .. ومن اعتقد شيئاً منها فقد وقع فيها .. مثال ذلك : من ادعي أن الله اتحد مع السيدة الطاهرة البتول مريم ثم حل في المسيح عليه السلام .. ثم بناء علي ذلك ينسب إلي المسيح الألوهية وهو لا يدري أنه وقع في المحظور .. والسيد المسيح برئ من ذلك .. ويظهر ذلك في قول الله تعالي : ¢ وإذ قال الله يا عيسي بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ¢ .. هذا مثال للحلول والاتحاد . أما التشبيه فهو أن يجعل المرء صورة لله كصورة رجل علي كرسي وله عين وقدم حتي لو أن أحدهم جمع ما ورد من صفات تشبه صفات المخلوقين ووضعها في شكل واحد سوف يتصور شكلاً خرافيا لمخلوق لا وجود له في الطبيعة .. والإنسان عاقل .. ولكن لم يخطر علي باله أن يتخيل شكلاً لعقله .. إن الأذن عاقلة تميز الأصوات .. والعين عاقلة تميز الألوان .. لكن لم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكل العقل .. لا نقصد شكل المخ .. المخ موجود في المخلوق العاقل والمخلوق غير العاقل .. ولم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكل الروح مع أنه يحيا بها .. ثم بعد ذلك يتجرأ الإنسان ويتطاول وهو يتخيل شكل خالقه .. قال صلي الله عليه وسلم : ¢ المصورون في النار ¢ .. أي الذين يتخيلون ويرسمون ويصورون شكلاً لله .. لن نمل من تكرار أن الذي يجعل صورة لله ويعتقد فيها ويعبده عليها في النار . ويبقي التعطيل .. وهو تعطيل فعل الأسماء الإلهية أو الاعتقاد بأن الأسماء الإلهية ليست فعالة قياساً علي أسماء البشر وهذا من باب التشبيه أيضاً .. فلو كانت ذات الله كذواتنا لأصبح اسمه كأسمائنا ليست فعالة .. هنا لابد أن نفهم الفرق أو العلاقة بين الذات والاسم والصفة . ولله المثل الأعلي .. ولكننا نستخدم أسماءه أحياناً دلالة علي بشر مثل الملك .. والملك تعني السلطان أو الرئيس أو الحاكم الذي يفعل في دولته كل شئ فهو المسئول عن الرعية وطعامهم وكسوتهم ومواصلاتهم وتعليمهم وصحتهم ........ إلي آخره .. لكن .. هل يفعل الحاكم ذلك بذاته .. بيده .. بجسمه .. هل هو الذي يفعل ذلك كله بنفسه ؟ .. نقول حاشا لله ما ينبغي أن ينزل الحاكم إلي مستوي الأعمال المسئول عنها بنفسه .. فهو لا يرصف الطرق بنفسه .. ولا يكشف علي المرضي بنفسه .. ولا يعلّم التلاميذ بنفسه ........ إلي آخره .. لكنه يفعل ذلك بصفته .. وليس بذاته .. فهو لو تنحي عن الحكم فإن ذاته تظل قائمة ولكن صفته هي التي زالت .. وبالتالي لا يستطيع أن يفعل شيئاً بدونها .. أما الاسم فهو يميز صاحبه من بين ذوي الأسماء فللذات البشرية تسمية .. نقول فلان .. وللصفة نقول رئيس أو ملك أو سلطان أو حاكم .. نقول فلان دلالة علي اسم الذات .. ونقول ملك أو سلطان دلالة علي اسم الصفة .. والرعية تتعامل مع الصفة .. لا مع الذات .. فلا علاقة للرعية بمكان الحاكم الآن هل هو خارج البلاد أم داخلها ؟ .. فهم يتعاملون مع الصفة وليس مع الذات التي لا يهم أين هي ولا يبحث عنها .. المهم الصفة التي توقع القرارات والقوانين بموجبها .. فإذا كنا قد نزهنا الحاكم عن القيام بكل شئ بذاته , ألا ننزه خالقنا عن القيام بكل شئ بذاته ؟ . بالنسبة للمخلوقين فإن بقاء الصفة كمسئولية غير مرتبط ببقاء الذات " بخلاف الصفات الشخصية " .. إن ذات الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لم تتغير بعد أن ترك البيت الأبيض .. لكن صفته كرئيس زالت وفاعلية الاسم مرتبطة ببقاء الذات .. أما بالنسبة للخالق فذاته لا تزول وبالتالي فصفته دائمة وفاعلية اسمه قائمة .. وقد عرفت صفات الله سبحانه وتعالي بعد أن تجلت ..فلو لم يخلق لما عرف بأنه خالق .. ولو لم يبعث ما عرف بأنه باعث .. وهكذا . من هنا تكون الأسماء الإلهية فعالة .. فالمريض يسأل الله الشفاء باسمه " الشافي" .. ويقول : يا شافي .. والفقير يسأله باسمه " المُغْني " .. ويقول : يا مُغْني .. والمظلوم يسأله باسمه " العدل " .. ويقول : يا حكم يا عدل .. والضعيف يسأله باسمه " القوي " .. ويقول : يا قوي . ومن اعتقد بأن الأسماء الإلهية لا فعل لها فهذا هو التعطيل وهي المنزلق الرابع من أوحال التوحيد .. علماً بأن كل وحلة تحتوي علي الأوحال الأربع .. فمن وقع في واحدة فقد وقع في مجملها .. ومن ثم فلا تجاوز .. ومن تفضل الله عليه بالخير وقاه شر الوقوع في إحدي أوحال التوحيد .. وهي مرة أخري : الحلول والاتحاد والتشبيه والتعطيل .. فإنه يكون قد سلك طريقاً آمناً إلي التوحيد .. والتوحيد يحتاج إلي وقفة نؤجلها قليلاً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .