لن يعجب العارفون بتاريخ العلوم عندما يسمعوا طفلاً يقول إن الأجسام الثقيلة تسقط بسرعة أكبر من سرعة سقوط الأجسام الخفيفة. لأن عبقري الحضارة الإغريقية قد قال نفس الكلام من قبل. وكان الاعتقاد السائد حينئذ بالفعل أن الأجسام الثقيلة تسقط أسرع من الأجسام الخفيفة. ربما لأنهم كانوا يلاحظون أن ريش الطيور لا يسقط في الهواء بنفس سرعة سقوط الحجر وقد أثبت أرسطو نفسه بمناقشات فلسفية أن هذا لابد أن يكون صحيحاً. ولكن علماء العلوم الطبيعية. منذ عثروا علي المنهج التجريبي في عصر الحضارة الإسلامية. لا يقبلون تماما البراهين الفلسفية للآراء التي يمكن معها الشك في الاستنتاجات التي تؤدي إليها لكان ذلك شيئا رائعا عندئذ كان يمكن استغلال كل الوقت والمجهود والمال المخصص للأبحاث العلمية باهظة التكاليف في أوجه أخري. ولأمكن لقليل من الفلاسفة الذين يعيشون منعزلين في أبراجهم العاجية أن يحلوا جميع المشكلات العلمية. لكن الفلسفة بدأت بعدم القدرة علي التمييز بين حركة الطائر وحركة حجر يسقط من أعلي الجبل. وفي عصر الحضارة الإسلامية تبلورت أسس علم الميكانيكا الذي كان مرتبطاً من قبل بالدراسات النظرية عن الحركة والسكون في المؤلفات الفلسفية. وأدي استخدام المنهج التجريبي لأول مرة إلي تحديد الكثير من المصطلحات والمفاهيم الميكانيكية ووصف حركة الأجسام وأنواعها. ففي كتاب "الشفاء" يحدد ابن سينا عناصر الحركة في المتحرك والمحرك ومافيه "موضع الجسم" وما منه "مكان بداية الحركة" وما إليه "مكان نهاية الحركة" والزمان "الفترة الزمنية التي استغرقتها الحركة" كما يفرق بين الحركة الطبيعية والحركة القسرية في قوله: "وكل جسم متحرك فحركته إما من سبب من خارج وتسمي قسرية وإما من سبب في نفس الجسم. إذ الجسم لا يتحرك بذاته" ونجد تعريف الحركة الانتقالية والحركة الدوارنية في كتاب "المعتبر في الحكمة" لابن ملكا البغدادي وقد سماها الحركة المكانية والحركة الوضعية فيقول: "الحركة المكانية هي التي بها ينتقل المتحرك من مكان إلي آخر. والحركة الوضعية هي التي تتبدل بها أوضاع المتحرك ولا يخرج عن جملة مكانه كالدولاب والرحا". وعن ابن الهيثم مصطلح "قوة الحركة" وهو كما يقول مصطفي نظيف يقابل المعني الديناميكي الحديث لمصطلح "كمية التحرك" الذي يعرف بحاصل ضرب الكتلة في السرعة فذكر أن الحركة المكتسبة تتوقف علي المسافة التي يقطعها الجسم الساقط. وبالتالي فإنها تعتمد علي سرعة تحركه ومقدار ثقله "يقصد كتلته". ويعبر هبة الله بن ملكا البغدادي عن السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية فيقول: "ويستدل علي ذلك بالحجر المرمي من عال من غير أن يكون عايداً عن صعود بحركة قسرية ولا فيه ميل "يقصد جذباً" قسرياً فأنك تري مبدأ الغاية كلما كان أبعد كان آخر حركته أسرع وقوة ميله أشد. وبذلك يشج ويستحق ولا يكون ذلك له إذا ألقي عن مسافة أقصر. بل يبين التفاوت في ذلك مقدار طول المسافة التي يسلكها". وبذلك تزيد سرعة الجسم مع المسافة التي يقطعها من نقطة السقوط وتزيد كمية حركته. وبالتالي طاقته. تبعا لذلك فيشج ويسحق عند ارتطامه. وفي هذا تحقيق لخصائص المعرفة العلمية المقصودة. وسبق إلي التعبير الكمي عن الحركة بتناسبها مع سرعة الجسم ومع كتلته. إذ أن معدل التغير في كمية الحركة يتناسبها مع الجسم ومع كتلته. إذ أن معدل التغير في كمية الحركة هو أساس قانون نيوتن الثاني الذي ظهر فيما بعد.