تدخل البشرية كلها القرن الحادي والعشرين. بكل ما تحمله سماء هذا القرن من المتغيرات والنذر. وبكل ما يحمله من تحولات دولية كبار. أبرزها أن يتحول العالم كله إلي ما يسمي القرية الكونية الواحدة. التي تهمش فيها القوميات. وتتلاشي فيها الدول والكيانات الصغيرة حيث لا مكان فيها إلا للقوي العظمي والكيانات الكبار. وحيث ينفرد بقيادة العالم كله والهيمنة عليه القطب الأوحد الذي يفسح لنفسه مكان التفرد بسياسة ما يسمي بالنظام العالمي الجديد. هذا النظام الذي تم ابتداعه وتحديد أهدافه ونظمه في غيبة كاملة منا نحن شعوب دول العالم الثالث الذي أغلبه مسلمون. فكيف سيكون تعاملنا معه؟ وكيف ستكون مداخلنا إليه؟. إن ما نحتاجه بشدة هو إعادة ترتيب البيت الإسلامي خاصة - وبيت عالم الجنوب بصفة عامة - ونتدارس معاً ما ينبغي أن تكون عليه مواقفنا ومواقعنا في ظل هذا الوضع العالمي الجديد. وأهم ما يحتاجه ترتيب البيت الإسلامي من الداخل هو ضرورة الوعي بالماضي كي يقودنا إلي حسن فهم وتقييم الحاضر. والذي يقودنا حتماً إلي حسن سياسة المستقبل. يؤكد لنا الوعي بالتاريخ في القرنين الماضيين - التاسع عشر والعشرين - أن الاستعمار قد أذاق عالمنا الثالث "والإسلامي منه خاصة" صنوفاً من المظالم شتي. إما بالاستعمار الاستيطاني الذي عانت فيه شعوبنا الاستغلال والبطش وفرض الجهل والتخلف. وإما باستنزاف الخامات والثروات الطبيعية من أرضنا لبناء مجتمعاته وحضارته. ولقد حرص الاستعمار علي استمرار خضوعنا وتبعيتنا له. فقد فرض علي عالمنا الثالث الذي أكثره مسلمون. فرض سياساته التعليمية التي كانت تخرج له - في أفريقيا وآسيا - لا مثقفين ولا متعلمين يمكن أن يسهموا في ترقية شعوبهم. وإنما تخرج "كتبة وموظفين" يخدمون إدارات ومصالحه الاستعمارية دون أي اكتساب للثقافة الصحيحة. ولقد كنا نسينا هذا الماضي. وحاولنا - ومانزال - أن نطرحه خلف ظهورنا بكل آلامه وأحزانه. وخاصة بعد إعلان الأممالمتحدة عن انتهاء الاستعمار في عام .1960 لكن الاستعمار لم يرحل عنا بجنوده وعتاده إلا بعد أن ابتلانا بغزو ثقافي يسكن العقول والأفئدة. ويعمل بقوته جميعها علي استبقائنا. لندور في فلكه. ولنستمر اتباعاً لتوجهاته ولسياسته. بل ولنبقي ايضا سوقاً لتجارته. ومسوخاً شائعة للنمط السلبي لثقافته وحضارته. ومرت الأيام بمتغيراتها الكبار. وانتهت الحرب العالمية الساخنة والباردة. وسقط التوازن الدولي بسقوط الاتحاد السوفيتي ودخلنا عصر القطب الأوحد. عصر السوبر كمبيوتر والإنترنت وثورة المعلومات والاتصالات وسط ضجة إعلامية كبري تبشر بالسلام. وتتحدث بصوت عال عن حقوق الإنسان وعن الحوار بين السياسات والثقافات. وصدقنا ما قيل وامتلأت القلوب بالأمل. وشرعنا نمد حبال التفاهم والتواصل وكانت المفاجأة أن رأينا قادة النظام العالمي الجديد يتربصون بنا عند بوابة القرن الحادي والعشرين. ويحاولون استبقاءنا نحن شعوب العالم الثالث - أعني المسلمين - استبقاءنا لنظل كما كنا ندور في فلك الاستعمار خادمين لأهدافه وأطماعه. ولقد اصطنعوا لهذه الغاية مجموعة من المنظمات والمؤسسات التي تعمل كلها لصالحه. فعرفنا - وعرف العالم كله - منظمة التجارة الدولية "الجات". وعرفنا ما يسمي بالشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات. وعرفنا التشريعات المحلية التي يصدرها في بلاده ويفرض تطبيقها علي العالم كله. كما أعلن أخيراً عن قانون "الاضطهاد الديني".