أثار قيام عدد من الفتيات برفع دعاوي قضائية ضد أولياء أمورهن لرفضهم السماح لهن بالزواج العديد من التساؤلات حول حدود ولاية الآباء علي البنات وهل يعد سلوك هؤلاء الفتيات من قبيل العقوق؟ وما هي الآثار النفسية والصحية التي تعاني منها هؤلاء الفتيات من جراء حرمانهن من حقهن الشرعي؟.. وماذا تفعل المرأة إذا ظلمها والدها أو ولي أمرها من الزواج ممن تحب؟ في محاولة لاستعراض بعض الحالات التي تعاني من تعنت الآباء تجاه زواجهن تقول "....." أنا فتاة أبلغ من العمر 33 عاماً متعلمة تعليماً عالياً أعمل في مجال مهم وهو هندسة الحاسب الآلي وأثناء عملي ألتقيت بشخص علمت من الكثير حولي أنه علي خلق ودين ومتعلم أبدي رغبته بالزواج مني إلا أن والدي رفضه رفضاً قاطعاً وحاولت الدفاع عن حقي بالاقتران به لكن باءت كل محاولاتي بالفشل ولولا أنهم يحتاجون لراتبي في معيشتهم لحرموني من الخروج للعمل. وتقول "م. ع" وهي فتاة تبلغ من العمر 39 سنة: نحن ثلاث أخوات أختي الكبري تبلغ من العمر 43 عاماً والصغري 32 عاماً أما أنا فعمري الآن 39 سنة جميعنا مدرسات وكنا قبل فترة طويلة لم نعلم أن ثمة من يتقدم للزواج بنا حتي تقدمت لأختي الصغري صديقتها في المدرسة طالبة أياها للزواج بأخيها اكتشفنا أن والدنا الذي نحبه ونقدره ونمنحه رواتبنا لكي يكون أميناً عليها طمع في مالنا ورفض تزويجنا ويريدنا أن نبقي في بيته حتي آخر يوم في حياتنا.. واصابتنا الدهشة وواجهناه إلا أنه لم ينكر وقال إنه ربانا وتعب علينا وصرف الكثير من المال ولهذا يجب أن يكون حصاد عملنا له ولهذا لا يرغب في تزويجنا لأننا كما يقول من أملاكه الخاصة ولن يسمح لنا بالزواج ما دام حياً. وتبين الدراسات الحديثة تعرض العزاب من الجنسين للانتحار أكثر من المتزوجين لوجود علاقة بين الصحة النفسية والجسدية والزواج كما تبين أن نسبة المجانين من العازبين بلغت 83% وتوصلوا إلي أن عدداً كبيراً من الفتيات قد أصبن بأمراض عصبية كالصرع والاضطرابات في الدورة الدموية والجهاز العصبي وبالزواج يمكن الشفاء من هذه الأمراض. أمراض نفسية علي الصعيد النفسي يري دكتور سيد صبحي - أستاذ الصحة النفسية - أن الله تعالي جعل فطرة المرأة تميل إلي الالتقاء والأنس بشريك حياتها أسوة ببنات جنسها وعدم ممارسة هذا الحق وحرمانها منه يؤدي إلي إصابتها بالإحباط وخيبة الأمل. كما تشعر بالغيرة من بنات جنسها المتزوجات ولهذا فقد تنظر للمجتمع نظرة حسد وحقد وكراهية تعبر عنها في سلوك عصبي وعدواني تجاه أفراده. وايضا يؤدي حرمان الفتاة من الزواج إلي العزلة والانطوائية وملاحقة الأنظار ومجاملتها بتمني زواجها وكثرة ترديد ذلك علي مسامعها "دون أمل" تدفعها إلي الهرب من مواجهة الناس وتفضيل العزلة أو مصاحبة من هم في مثل وضعها علي المشاركة العامة في المجتمع. تعاني الفتاة من الحرمان من الإشباع الفطري أي العجز عن تلبية حاجات ونداءات الفطرة فمشاعر الأمومة والحب الزوجي والجنسي من صميم فطرة كل فتاة فيها الرحمة والسكن والمودة والمتعة والسعادة. ويضيف: إن عدم الزواج يحرم العانس من جميع الآثار الصحية للحياة الجنسية الشرعية والمتعة المباحة. كما تصاب الفتاة بنوع من عدم التوازن في شخصيتها ويظهر ذلك في سلوكها المتناقض في تعاملها مع الآخرين. وقد تندفع العانس في حالة غياب الوازع الديني إلي تلبية حاجاتها الغريزية وإشباع رغباتها الجنسية بإقامة علاقات مع الرجال.. وقد تدفع مشاعر الحقد والحسد الفتاة العانس إلي تدبير المقالب والمؤامرات للتأثير علي من هم سعداء ومستقرون في حياتهم الزوجية. وغالباً ما تعاني من التوتر العصبي الدائم وما يتولد عنه من أمراض ضغط الدم والقولون وقرح وحموضة المعدة والمزاج العصبي الثائر. وحدوث خلل في وظائف الغدد فالتوتر والاكتئاب يؤديان إلي إضعاف النشاط الحيوي والذهني للجسم وبالتالي ضعف المستوي الصحي بشكل عام وفقدان الشهية. ويري أن هذا الأب استحواذي لا يعرف معني الأبوة والدور الحقيقي تجاه مستقبل ابنته. مفاهيم خاطئة تري دكتورة سهير عبدالعزيز استاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر أن الخروج علي ولي الأمر هو سلوك غير مستحب لكن في هذه الحالة فالأب قد بدأ بالنشوز فمصلحته تعلو فوق كل اعتبار وكان عليه أن يعرف أن ولايته لابنته يجب أن تكون لمصلحتها لا مصلحته. وترجع بروز هذه الحالات إلي غياب الوعي الديني بدور الآباء تجاه بناتهن وغياب دور الأئمة وأهل الدين الذين اقتصر دورهم علي قضايا غير حيوية. وتطالب بضرورة إلحاق أئمة متميزين لتوجيه ونشر المبادئ والتعاليم الإسلامية في تعاملات الأفراد وخاصة حقوق الآباء والأبناء لوضع حدا الظلم وتجنب الآثار التي يمكن أن تترتب علي حرمان الفتيات من حقهن الشرعي. ضوابط شرعية وعن حكم الشرع في القضية يقول الدكتور صبري عبدالرءوف - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر - أن الزواج شركة تعاونية تضامنية بين زوج وزوجة لكي ينعما بالحياة الزوجية السعيدة لابد لهما من حسن الاختيار حتي يتحقق السكون النفسي والمودة والرحمة ولهذا رأينا سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول للخاطب: أنظرت إليها؟ قال له: لا. قال: انظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما. وهذا معناه أن كلا من الخاطبين لابد أن ينظر إلي الطرف الاخر لأن الحبيب المصطفي يقول "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف" فتعرف كل من الخاطب والمخطوبة أمر ضروري تقتضيه طبيعة الحياة الزوجية لكي يعيشا في سلام وأمان ولهذا فإن الإسلام منع الولي من إجبار ابنته علي الزواج. أما إذا كان الولي متعنتاً في زواج ابنته لأنها تعمل وهو الذي يحصل علي راتبها فهو مستفيد من ابنته وجعل منها الدجاجة التي تبيض وهذا سلوك لا يقبله الإسلام لأن الأب وهو المكلف بالانفاق علي أولاده فإذا خرج الأب عن السلوك السوي فعلي البنات أن ينصحوه وللأقارب أن ينصحوه فإذا لم يستجب فعلي البنات أن يرفعن الأمر إلي القضاء لتعيش البنت في عزة وكرامة تصون عرضها وتحفظ شرفها وتتقي الله في نفسها والقاضي في مثل هذه الحالات يقوم بتزويج الفتاة مادام الأب متعنتاً. ويري الدكتور صبري أن لجوء الفتاة إلي القضاء في مثل هذه الحالة لا يعتبر عقوقاً لأنها ما أساءت إلي والدها وإنما الأب هو الذي أساء والأبناء لا يحاسبون آباءهم إنما يحاسبهم الولي الأكبر لأن الله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. حقوق شرعية من جانبه أكد دكتور محمد فؤاد شاكر - أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس - أن الإسلام اهتم اهتماماً عظيماً بتربية اتباعه علي منهج الصلاح والإصلاح وجعل الحياة الشخصية مقرونة بما جاء من أوامر ونواه وإرشادات وقدوة ولما انتشر الإسلام أعطي للمرأة مكانتها فبعد أن كانت كماً مهملاً قبل الإسلام وكان الرجل يقوم بوأد ابنته خوفاً من أن تسبب له أمراً يعير به أو ألا يجد لها طعاماً فكان يدفنها حية لذلك زجر القرآن هذا الصنيع في قوله تعالي: "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت". وقد جعل الإسلام للمرأة ميراثاً وجعل لرأيها مكانة ومنزلة لذلك منع أن يزوج الرجل ابنته بدون موافقتها فإذا أجبرها علي زواج معين فهذا باطل لأنه تم بالإكراه وكذلك جعل الإسلام للبكر الصمت وللثيب أن تتكلم إما موافقة أو رافضة ومن لا ولي له فوليه السلطان أي الحاكم وللحاكم أن ينيب عنه أحد من الناس فمركز الشرطة امتداد لرأي الحاكم. فالولاية من قبل الرجل علي زواج ابنته ولاية مضبوطة محددة ألا يكون مرغماً لها علي قبول ما يريده هو ولذلك جاءت امرأة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم تشكو إليه آباها قالت: زوجني أبي رجلاً ليرفع به خسيسته فالنبي استحضر الرجل وقال لزوجها: طلقها. فقالت البنت: لا يا رسول الله أنا لا أطلق منه إنما أردت أن أبين ما للمرأة من حقوق.. فكأنها أرادت أن تؤصل قاعدة استشارة المرأة. ويضيف: إذا كان للوالدين حقوق علي الأبناء فكذلك للأبناء حقوق علي الوالدين وإذا ما خرج الأب عن حدود الشرع فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولكن علينا أن نحسن الصحبة معه ولا نؤذيه "وصاحبهما في الدنيا معروفاً". وأن للفتاة أن تطالب بحقها ضد جشع ابيها ولا تعتبر عاقة. ظلم مرفوض ويقول دكتور عبدالحكم الصعيدي - الاستاذ بجامعة الأزهر - ليس من حق ولي الأمر أن يمنع موليته من هذا الحق الطبيعي وهو الزواج لكن من حقه أن يأخذ رأيها في الخاطب: هل هو مناسب لها اجتماعياً وثقافيا؟ وهذا هو المعروف في الشريعة الإسلامية بمبدأ الكفاءة بين الزوجين فإذا شعرت الفتاة أن ولي أمرها يتعنت ولا يجعلها تمارس هذا الحق لجشع مادي في راتبها فهذا ليس بعذر إلا إذا كان فقيراً وفي هذه الحالة ليس من حقه أن يمعنها ولكن يتركها بشرط أن يكون له معاش شهري من راتبها. أما إذا تعسف في استخدام حقه ومنعها من حقها الشرعي فلها الحق أن تقاضيه وأن تشكوه لولي الأمر وهذا ليس قطيعة رحم.