في زمن الفتن ما الذي يمكن أن يشغل تفكيرنا ونحن نمر بذكري الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلي المدينة المنورة؟ قبل أن أجيب علي هذا السؤال أبين ما الذي أعنيه بزمن الفتن .. هو الزمن الذي يري فيه الناس الباطل حق والحق باطل أو يظنون ذلك أو يعمل البعض علي فرض مفاهيم جديدة لهذا ويقنع الناس بها أو يفرضه عليهم .. هذا تعريف بسيط ولكنه يفي بالغرض الآن. هل كانت هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة فرار من الباطل إلي أرض جديدة وتربة خصبة لنمو الحق وانتشاره؟ وهل كانت يثرب "المدينة" مهيأة لاحتضان المسلمين المهاجرين إليها كما نتصور من بعض الكتابات والمراجع التي وصلت إلينا؟ السيرة النبوية تشير إلي أن يثرب كانت موطن اليهود الذين عادوا الإسلام من الوهلة الأولي وحتي من قبل أن يعلن الرسول عن رسالته وكان العرب فيها متقاتلون وتكثر بينهم الحروب والمعارك. إذا لم تكن الأرض مستوية وثابتة تحت أقدام المسلمين المهاجرين من مكة إلي يثرب بل ربما كانت الأمور أصعب علي المسلمين الفارين من اضطهاد قريش لهم والذين تركوا مكة وتركوا أموالهم وبيوتهم لا يحملون إلا دينا آمنوا به و رسخ في قلوبهم. هذا هو الدرس الأكبر الذي نتعلمه من الهجرة ونحن نعاني اليوم من زمن انقلبت فيه الأوضاع ولا نملك إلا التمسك بالقيم التي رسخها فينا الإيمان لنري الحق حق والباطل باطل مثلما فعل المسلمون الأوائل حتي ننتصر علي كل ما يحاول أرباب الباطل أن يزينوه أمامنا وننتصر علي أنفسنا أيضا وتستعيد المعايير الصحيحة مكانتها ونعيد تسمية كل شيئ باسمه الحقيقي ويعود للحق مكانته وتتراجع القوة الغاشمة التي أخذت مكان الحق في حياتنا.