نختم حديثنا عن الفن الثاني من الفنون الصوفية وهو التوقير والتعزير للحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فنقول وبالله التوفيق: لتعلم أيها الولي: أنه من رحمته صلي الله عليه وسلم التي بعثه الله تعالي بها. ما أبان الله علي لسانه لنا. وأمره بتبليغ ذلك فبلغ أنه ليس من شرط الرسالة ظهور العلامات علي صدقه. إنما هو شخص منذر مأمور بتبليغ ما أمر بتبليغه. هذا حظه لا يجب عليه غير ذلك. فإن أتي بعلامة علي صدقه فذلك فضل الله ليس ذلك بيده. فأقام عذر الأنبياء كلهم في ذلك. فكان رحمة للرسل في هذا. فجاء في القرآن قوله: "وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه" الأنعام: .37 وهذا قول غير العرب. ما هو قول العرب» لأنه جاء بالقرآن آية علي صدقه للعرب. إذ لا يعرف إعجازه وكونه آية غير العرب. فلم يرد عنه أنه أظهر آية لكل من دعاه من غير العرب كاليهود. والنصاري. والمجرس. ولكن أي شيء جاء من الآيات فذلك من الله. لا بحكم الوجوب. عليه ولا علي غيره من الرسل. فقيل له: قل لهم: "إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين" العنكبوت: 50 ثم قال له: "أو لم يكفهم أنَّا نزَّلنا عليكم الكتاب يُتلي عليهم إن في ذلك لرحمة" العنكبوت: 51. "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء: .107 فضمنا القرآن جميع ما تعرف الأمم أنه آية علي صدق ما جاء به. إذ لم يعلموا منه بقرائن الأحوال أنه قرأ. ولا كتب. ولا طالع. ولا عاشر. ولا فارق بلده. بل كان أمياً من جملة الأميين. وأخبرهم عن الله بأمور يعرفون أنه لا يعلمها من هو بهذه الصفة التي هو عليها هذا الرسول. إلا بإعلان من الله. فكان ما جاء في القرآن من ذلك آية كما قالوا وطلبوا. وكان إعجازه للعرب خاصة إذ نزل بلسانهم. وصرفوا عن معارضته. أو لم يكن في قوتهم ذلك من غير صرف حدث لهم. فجاء القرآن بما جاءت به الكتب قبله. ولا علم له بما جاء فيها إلا من القرآن. وعلمت ذلك اليهود والنصاري وأصحاب الكتب. فحصلت الاية من عند الله» لأن القرآن من عند الله. فقد تبين لك منزل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من غيره من الرسل. وخصَّه الله بعلوم لم تجتمع في غيره فلتكثر من الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم والصحيح أنه صلي الله عليه وسلم ينتفع بصلاتنا عليه لكن لا ينبغي للمصلي أن يلاحظ ذلك. والكامل يقبل الكمال. وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. فلا يرد أنه صلي الله عليه وسلم محتاجا لصلاة غيره. وهي من أعظم القرب وأفضلها خصوصاً في يوم الجمعة وليلتها. كما قال صلي الله عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر. ولذلك ذكر بعض شراح الدلائل أنه يسمع صلاة المصلي عليه في هذه الليلة وفي هذا اليوم ويردها عليه بخلاف باقي الأيام. فوكل بها ملك يوصلها إليه. ولكن الصحيح الذي عليه الاعتماد وتلقيانه عن أشياخنا: إن من كان بقربه صلي الله عليه وسلم يسمعه. ولا فرق بين الجمعة وغيرها. وإن كانت أفضلية الصلاة عليه فيها دون سائر الأيام لا تخفي. ومن كان بعيداً عنه صلي الله عليه وسلم يوصلها له الملك. ومن فوائد الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم ما جرب من تأثيرها في جلاء القلوب. حتي قيل إنها تغني عن الشيخ في الطريق كما حكاه الشيخ السنوسي وسيدي أحمد زروق وأشار إليه أبو العباس أحمد بن موسي اليمني لكن ذلك محمول علي مجرد التنوير. وأما الترقي في درجات الولاية فلابد فيه من شيخ عارف سالك في مسالك القوم. وقطع الإمام السنوسي والشاطبي بحصول ثوابها لمصلي ولو قصد الرياء. ولكن قال العلامة الأمير في حاشيته للشيخ عبدالسلام نقلاً عن بعضهم التحقيق: أن لها جهتين فمن جهة القدر الواصل له صلي الله عليه وسلم فهذا لا شك في وصوله له صلي الله عليه وسلم . ومن جهة القدر الواصل لمصلي فكبقية الأعمال لا ثواب فيها إلا بالإخلاص. وهذا هو الحق والسلام من الله علي نبيه زيادة التحية والإكرام.