في تسجيل صوتي بثته مواقع جهادية مطلع أغسطس الجاري، قال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري - نصاً - "إن الصليبيين شاركوا العلمانيين والجيش وفلول الرئيس السابق حسني مبارك في إسقاط محمد مرسي، وإن كبير الصليبيين تواضروس الثاني أيد إسقاطه لإنشاء دولتهم القبطية في جنوب مصر"، بعدها بخمسة أيام حاصر الآلاف منش أنصار مرسي مطرانية السيدة العذراء بمحافظة بني سويف رافعين علم القاعدة علي بابها، وكأنها رسالة موجهة للمتشددين بتكثيف الاعتداءات علي الأقباط ، ليزيد كل هذا من خوف الأقباط بعد كثرة استهداف ممتلكاتهم وحياتهم إلي الدرجة التي يشعرون فيها أنهم يدفعون ثمن عزل مرسي. ما جعل الكنائس في مختلف المحافظات تتخذ خطوات من شأنها حماية أرواحهم كوقف أنشطتها واجتماعاتها وتقليص أوقات الصلوات، خصوصاً بعد ظهور قائمة مؤخراً باغتيال شخصيات مسيحية، من بينهم البابا تواضروس والمستشار نجيب جبرائيل ورجل الأعمال نجيب ساويرس، إضافة إلي زيادة الاعتداءات بعد ثورة 30 يونيو والتي كانت بدايتها بإطلاق النار علي كنيسة السيدة العذراء بمرسي مطروح يوم 3 يوليو وتحطيم جزء من بواباتها والاعتداء علي حارسها، أعقبتها بعد يومين حادثة دموية في قرية الضبعية بالأقصر؛عندما ضُرب أربعة مسيحيين بوحشية داخل منازلهم حتي الموت بعد اتهامهم بقتل مسلم، وتدمير ونهب ما لا يقل عن 23 منزلا، الأمر الذي دفع الأسر التي دُمرت منازلهم إلي العيش داخل كنيسة "ماريوحنا"، وفي اليوم التالي - 6 يوليو - لاحقت الجماعات الإرهابية بسيناء الأقباط حيث قتلوا القس مينا عبود شاروبيم بالعريش، وذبحوا مسيحيا يدعي مجدي لمعي حبيب بمدينة الشيخ زويد، ما اضطر أسراً كاملة إلي النزوح لحين عودة الأمن مرة أخري، وفي 3 أغسطس شهدت المنيا اشتباكات بقرية بني أحمد الشرقية بين الأقباط والمسلمين، نتيجة اختلافهم حول أغنية مؤيدة للجيش، وأسفرت الأحداث عن إصابة 17 وحرق عدد من المنشآت والمنازل. كما اتخذت التهديدات شكلاً آخر إذ دعت جماعات الإسلام السياسي إلي حصر المحال التجارية المملوكة للأقباط تمهيدا لمقاطعتها، ما اعتبرته 16 منظمة حقوقية اتهاما واضحا لهم وعلي رأسهم جماعة الإخوان المسلمين باستخدام التحريض والعنف الطائفي ضد المسيحيين عقب ثورة 30 يونيو. وطالب اتحاد شباب ماسبيرو في بيان بتطبيق القانون ضد المعتدين، وقالوا: "محاولة لصق الصليب بالثورة أدّي إلي الهجوم علي كنيسة العذراء بمرسي مطروح وتدمير بعض متاجر الأقباط، وهو نفس المصير لقرية دلجا بمركز دير مواس بالمنيا من حرق استراحة كاهن كنيسة الكاثوليك والهجوم علي الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية، ووصل الأمر بمدينة المنيا إلي وضع علامات علي متاجر الأقباط ومنازلهم من أجل استهدافهم والهجوم عليهم دون توفير الحماية الأمنية لهم". الأمر الذي دفع المحامي القبطي نجيب جبرائيل، رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، برفع قضايا علي كل من عاصم عبد الماجد ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي بتهمة التحريض علي الأقباط، وقال ل "آخر ساعة" إنهم اعتادوا علي التهديدات من قبل تنظيم القاعدة منذ مذبحة القديسين التي دبرها الجناح العسكري للقاعدة، ما جعلهم يتحسبون لأي اعتداء جديد بوقف أنشطة الكنائس والاجتماعات والطقوس الدينية، مضيفاً: "نعي جيداً ما يمارسه أنصار مرسي ضدنا فهم يعتقدون أن الأقباط كانوا سببا مباشراً في اندلاع ثورة 30 يونيو وفي حشود 26 يوليو، وأن الكنيسة قادت الأقباط إلي الحشود الهائلة، رغم أن البابا تواضروس قال بصريح العبارة أن كل قبطي حر من حقه أن يشارك أو لا يشارك، كما أنهم ينكرون أن الأقباط جزء من نسيج الوطن ولا يعيشون في جلباب الكنيسة ولا يأخذون بأوامرها". وأشار جبرائيل إلي أنه طالب كلا من الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بتكثيف الأمن علي دور العبادة نظراً لأنها منفذ وأداة سهلة لتوصيل رسالة الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، مطالباً الدولة بسرعة حماية الأقباط حتي لا تتكرر مأساة النزوح الجماعي كما حدث عندما بعد تولي "مرسي" الحكم عندما خرج 100 ألف قبطي للخارج. علي النقيض يري جمال أسعد، المفكر القبطي، أن مشاركة البابا تواضروس في إعلان خارطة الطريق كان تتويجا لفكرتهم السابقة أن الأقباط ضدهم وشاركوا في إسقاطهم، وما يحدث من اعتداءات ثمار إصرار الكنيسة علي المشاركة السياسية، متابعاً: " ما يحدث للأقباط من قبل التيار الإسلامي وضع طبيعي، فاضطهادهم لم يبدأ بعد 30 يونيو بل من وقت ظهورهم في المشهد السياسي، ما جعل العلاقة غير مريحة تصل إلي حد الرفض الكامل، الأمر الذي جعل الأقباط يختارون الفريق أحمد شفيق بديلا عن مرسي، وكانت هذه أول الممارسات التي وضعت حاجزاً بينهم وبيننا، كما أن جماعة الإخوان لا تزال تخلط بين السياسة والإسلام، وادعاءهم أنهم يطبقون الشريعة ما جعلهم يرون كل ما يعارضهم يعارض الإسلام، وهذه الفكرة تنطبق علي الأقباط باعتبار أنهم غير مسلمين، لذلك وجدنا الصراع المعلن منذ بداية حكمهم، فقالوا أننا من دبر أحداث الاتحادية والمقطم، وأننا وراء حركة تمرد، وأننا الأغلبية في ثورة 30 يونيو، كل هذه الإدعاءات لكي يؤكدوا للمواطن المتدين بطبعه أن كل من يعارض الإخوان هم المسيحيون فقط، ما يجعل استهدافنا ضرورة". فيما رفض كمال زاخر، المفكر القبطي ومؤسس جبهة العلمانيين بالكنيسة، اعتبار الاعتداءات التي وقعت بعد30 يونيو عنفا طائفيا بل أعمالا إجرامية، علي حسب وصفه، قائلاً: "العبارات التحريضية التي تدون علي أبواب الكنائس تقع تحت طائلة القانون ولا تنم عن الإسلام في شيء، وحل تلك الأزمة في تطبيق القانون وعدم اعتبارها جزءاً من حالة الارتباك التي تعيشها مصر، فالمشكلة أن الأيدي المرتشعة لا تصنع أمناً أو سلاماً، والمسئولية تقع علي السلطة الحاكمة ، ولابد أن تسير في خطوط متوازية بمواجهة حالة التردي الأمني وإنهاء هذا العبث؛ فالاستهداف ليس ضد الأقباط وحدهم بل ضد كل المصريين، وما يحدث شيء طبيعي من تيار يدرك أن مابناه في 80 سنة يُهدم في لحظة، لذلك فالعنف الذي يمارسونه مفهوم لكن لا يجب أن يستمر إذا كنا نريد وطنا متماسكا"، منادياً بعدم الالتفات إلي تصريحات القاعدة والاهتمام بتقوية الجبهة الداخلية، وإعادة النظر في الإعلام والتعليم والثقافة لأنهم أنتجوا ما نعيشه الآن.