تتواصل الاحتفالات بقدوم شهر رمضان في كل بلاد العالم العربي والإسلامي، وابتهاجا بهذا الضيف العزيز الذي يدخل السرور لأفئدة الصائمين، ونتأمل هنا فرحة المسلمين في كل من ليبيا، وتونس، وسوريا، ولبنان، والمغرب، وفلسطين، والسودان، حيث تختلف مظاهر تلك الاحتفالات من بلد لآخر لكن العادات والتقاليد الأصيلة تجمعهم حول هذا الجو الروحاني الجميل. ونبدأ هذه الجولة من ليبيا: فمن عادة الليبيين كغيرهم من المسلمين الاحتفال بشهر رمضان الكريم، ولهم في ذلك عادات وتقاليد بعضها بدأ ينطوي بسبب تقاليد الحياة العصرية المتسارعة. تبدأ الاستعدادات مع دخول النصف الثاني من شهر شعبان فبعد إحياء ليلة النصف من شعبان تنطلق الحركة وتبدأ التحضيرات أولاً في المنازل .. حيث يحلو للغالبية طلاء بيوتهم قبل رمضان وفرشها وتنطلق العائلات الليبية إلي الأسواق تشتري لوازم شهر الصيام يعتبر شهر رمضان أكبر موسم للتسوق العائلي ثم نقصد تونس: إذ يحظي شهر الصيام لدي مختلف فئات الشعب التونسي بقداسة خاصة، إذ تستعد الأسر التونسية لاستقباله بشكل احتفالي، بتجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل لسهرات تعاد كل عام، كما تستعد الأسر التونسية لهذا الشهر الكريم بإعداد الأطعمة، أو ما يسمي »بالعولة« من زيت الزيتون والتمور الرفيعة التي ينتجها الجنوب التونسي، إلي مختلف أنواع التوابل، التي يكثر استعمالها في البيوت التونسية، بالإضافة إلي الحلويات، التي يكثر الإقبال عليها في الشهر الكريم، وخاصّة في الأيام الأخيرة منه، التي تسبق عيد الفطر. الشوربة.. والكسكسي وتتميز الأكلات التونسية في شهر رمضان الكريم بالتنوع، لكن أهم ما يميزها ربما عن أقطار دول عربية أخري حضور »الشربة« و»الحساء« وهي من المفتحات. كما تشتهر المائدة التونسية »بالبريك« الذي لا يغيب عن مائدة رمضان، بالإضافة إلي »الكسكسي« الذي يطبخ في كل بيت، خاصة في ليلة النصف من رمضان. ومن خصائص هذا الشهر الكريم كثرة التزاور بين العائلات، وتبادل المأكولات بين الجيران والأقارب، والإقبال علي تبادل الدعوات علي مائدة الإفطار فرمضان فرصة لتستعيد الأسرة التونسية حرارة العلاقات الودية بين أفرادها، وللمحافظة علي العادات والتقاليد الأصيلة، التي يدعمها ديننا الحنيف. وتشهد مساجد العاصمة ومختلف أقاليم البلاد إقبالا منقطع النظير في شهر رمضان الكريم علي أداء صلاة التراويح، والاستماع إلي الدروس الفقهية. وتحرص عائلات تونسية كثيرة علي أن تخرج للتراويح مجتمعة، لما في ذلك من ألفة وترويح عن النفس والتسوق في شوارع العاصمة وأهم المدن التونسية الأخري إلي الساعات الأولي من الفجر، حيث يتجه الناس إلي تناول وجبة السحور، أما النائمون فيستفيقون علي صوت »المسحراتي« الذي يجوب الشوارع ضاربا علي طبلة مناديا »قوموا تسحروا...قوموا اتسحروا«. الفول الدمشقي اللذيذ وفي سوريا تبدأ الاحتفالات منذ إعلان هلال رمضان وتعد العائلات الوجبات السورية مثل الفول المدمس الدمشقي والكوسة المحشوة وكفتة الحمص واللحم والسجق والكلاوي، إضافة إلي المقبلات مثل التبولة والمنقوشة. ويتميز أغلب الحلويات الدمشقية باستعمال القشطة لأنهم يتفاءلون باللون الأبيض. أما لبنان فتعلق الشرائط الخضراء والفوانيس الصغيرة والنجوم الأثرية في الطرق وشرفات البيوت، فضلا عن إعداد الحلويات الرمضانية مثل »الكلاح والسنيورة والشعيبيات« ويفطرون علي قمرالدين، ومن المظاهر الرمضانية حلقة ذكر النوبة للأطفال، وفيها يطوفون مع المسحراتي علي كل بيوت المنطقة في العشر الأواخر من رمضان للاحتفال بقرب قدوم العيد. ينام المسلمون في رمضان ويترقبون قدوم (المسحراتي) الذي يخترق بالمطرق الخيزراني سكون الليل يقرع به طبلته لإيقاظ النيام استعداداً لبدء يوم صومهم. والمسحراتي هو أحد الرموز المحببة لنفوس المؤمنين ورغم أن صورته قد خفتت وتضاءل دوره في هذه الأيام إلا أن له رونقه المحبب دائماً في الأحياء الشعبية وبصوته الشجي منشداً أبياتا من الشعر الديني مثل: (يا نايم وحد الدايم يا نايم وحد الله) و(قوموا علي سحوركم جاي رمضان يزوركم). وتكون العائلة اللبنانية في شهر رمضان علي غير عادتها وبشكل لم تعهده من قبل، إذ إن الأسرة تجتمع بأسرها إلي مائدتي الإفطار والسحور، موائد رمضان. التمر سيد المائدة مائدة رمضان في لبنان لها أصناف مميزة لابد أن تكون حاضرة علي مائدة الإفطار أو السحور، وأول هذه الأنواع التمر الذي يتناوله الصائم عقب انطلاق مدفع الافطار إقتداء بسُنة النبي عليه الصلاة والسلام ولما له من فائدة طبية، فالتمر سيد المائدة وبه يبدأ أما الشوربة فإن لها الحظ الأوفر في الموائد الرمضانية وكذلك(الفتوش) و (الفتة) وغيرها. وتختتم المائدة الرمضانية اللبنانية بالحلويات منها: الكلاج ، وزنود الست، والقطايف، والمفروكة. ويأتي فنجان القهوة أو الشاي بعد صلاة العشاء في رمضان ضرورة للصائم مع تقديم الفواكه علي أنواعها طوال السهرة الرمضانية حتي السحور.ويتزاور اللبنانيون خلال السهرة وصلا للأرحام وعملا بالشريعة الإسلامية ويتبادلون التهاني بهذا الشهر الفضيل. وتقام في كافة المناطق اللبنانية المآدب الرمضانية التي تقيمها المؤسسات الخيرية الإسلامية وبعض الشخصيات البارزة لتحفظ فيها الأحاديث الدينية وفي السحور تلتف العائلة اللبنانية حول مائدة السحور التي تضم أطباقا خفيفة عادة من الألبان والأجبان والحليب المطبوخ. أما المغرب: فلشهر رمضان مكانة كبيرة في نفوس أهل المغرب حيث يطلقون عليه (سيدنا رمضان) وعلي الرغم من اكتساب أهالي المغرب بعض الثقافات الأوروبية إلا أن المغاربة ظلوا محتفظين بعاداتهم وتقاليدهم الدينية حيث يبدأ الاهالي بالاستعداد للشهر الكريم في وقت مبكر فيبدأون استعداداتهم من شهر شعبان بصيام بعض أيامه، وشراء الاحتياجات الرمضانية وإعداد الحلويات التي تعد أكثر الوجبات استهلاكا والأشد طلبا برمضان. عواشر الشهر الثلاثة وما أن يبدأ الشهر الكريم حتي يسارع الأهالي لتهنئة بعضهم البعض بقولهم عواشر مبروكة، وتعني أيام مباركة ويشيرون بها إلي عواشر الشهر الثلاث (عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار)، ومن التقاليد المغربية في رمضان الحرص علي التزاور وعلي صلة الرحم، وتعد جلسات السمر في البيوت والمقاهي الشهيرة والحدائق والأماكن العامة من المظاهر الرمضانية المألوفة، وكذلك عادة الاحتفال بالصوم الأول للأطفال في أي يوم من أيام رمضان، وخاصة في يوم السابع والعشرين، ويعد الاحتفال بهذا اليوم من مظاهر العادات التقليدية المغربية والتي تعمل من خلال هذا التقليد علي تكريس الانتماء الديني للطفل المغربي المسلم الذي تشده مظاهر هذه التجربة وترسخ في ذهنه، ومنذ نهاية الثمانينات أصبح وجود موائد الإفطار الجماعي والتي تقيمها الجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية الخيرية تقليدا منتشرا، كذلك فإن المساجد تكتظ بالمصلين سواء رجالا أو نساء في أوقات الصلوات الخمس وفي صلاة التراويح ويحرص المقيمون علي المساجد علي أداء دورهم في الشهر الكريم علي أكمل وجه حيث يقومون بتوزيع المصاحف علي الناس والحرص علي نظافة المسجد وطلاء الجدران مستعينين في هذا ببعض الشباب المتطوعين من صغار السن وكذلك جلب قراء جدد لصلاة التراويح، ومن اللافت للنظر عند دخول أي مسجد برمضان أن تجد حاملا للقرآن يقرؤه في هدوء وخشوع حيث يحرص الجميع علي قراءة الحزب اليومي. كل المقاهي مغلقة ونجد المقاهي والمطاعم تكثف نشاطها خلال الشهر الكريم بتنويع خدماتها لجذب أكبر عدد من الزبائن والتي يكون نشاطها بعد الإفطار حيث تغلق أبوابها في نهار رمضان، ويقوم البعض منها بجلب مجموعات الطرب الأندلسي أو مطربي الغناء الشعبي، وبينما يفضل بعض المغاربة السهر بهذه المقاهي حتي وقت السحور، فإن هناك البعض الآخر الذين يحلو لهم قضاء ليالي الشهر الكريم بالمتنزهات والشواطئ خاصة إذا ما حل الشهر الفضيل بفصل الصيف، ومن العادات المغربية المتوارثة شرب الشاي الأخضر المميز بإضافة النعناع في الجلسات العائلية أو علي المقاهي وبالنسبة للمائدة الرمضانية بالمغرب فتتصدرها (الحريرة) والتي تعد من علامات رمضان المميزة التي تحرص ربات البيوت علي وجودها علي مائدة رمضان أيضا من المأكولات الرمضانية نجد التمر والحليب، إضافة إلي الحلوي التي تشكل صنفاً رئيسياً للماكولات الرمضانية ومن الموروثات التي يحافظ عليها المغاربة وجود المسحراتي الذي يطلق عليه باللهجة المحلية (النفار) والذي يدور بالشوارع والأزقة لتنبيه الصائمين بوقت السحور، وتبشيرهم بقدوم عيد الفطر المبارك. وفي فلسطين، يحتفل الأهالي يوميا عقب غروب الشمس، حيث تضاء الطرقات والشوارع والمآذن والمحال التي تقدم أطعمة وحلويات خاصة برمضان، ومن الأكلات الشعبية »المقلوبة« ومن العادات المتوارثة »الحواية« وهي فرقة جوالة تجوب الأحياء بعد تناول الإفطار وهي تغني، ومن أهم أحداث ليالي رمضان تقديم فصول »القرقوز« أو »العيون السُود« وهو عرض مسرحي تسرد من خلاله حكايات ذات نقد لاذع لعدد من الظواهر الاجتماعية المحليّة. أما في السودان فتبدأ استعداداتهم لصيام أيامه المباركة قبل حوالي شهرين، من خلال إعداد الأطعمة الرمضانية وتهيئة أماكن الصلاة والإفطار والراحة وإعداد »الرواكيب« وهي مبانٍ من القش والطين تُنصب أمام الفرن ، وتُفرش ويقضي الصائمون فيها أغلب وقت النهار وينامون فيها بعد صلاة الظهر.ومن التقاليد الموروثة عند السودانيين أنّ أحدهم لا يستطيع الفطور بمفردهِ، إذ لا بُدَّ من مشاركة أحد الصائمين في إفطاره، ولهذا فإنهم يهتمون بحفلات الإفطار الجماعي ويطلقون علي أكلات رمضان »مؤية رمضان« والتي من أهمها إناء الكورية، ولحم أم دكوكة، والعصيدة.