ماهو دور المكاتب الاستشارية في مصر؟ - العديد من المكاتب تقدم حلولا من منظور قومي للمشروعات المنوطة بها، ولكن للأسف لا تستطيع تطبيقها بدون موافقة وزارة الإسكان مثال ذلك: حينما كلفت بإعداد المخطط الاستراتيجي لمحافظة أسيوط تم اقتراح ودراسة النمو العمراني علي الهضبة العليا غرب اسيوط في منطقة متميزة حيث إنها مرتفعة عن سطح البحر ودرجة حرارتها منخفضة وسرعة الرياح بها عالية مع قربها من مطار أسيوط والطريق الغربي (القاهرة /أسوان) إلي جانب تمتعها بإطلالة بديعة علاوة علي أنها منطقة صحراوية والدولة تدعو إلي تنمية الصحراء ولكن الذي حدث أن المحافظ أمر أن تكون التوسعات العمرانية علي الأرض الزراعية داخل مدينة أسيوط، ونتج عن ذلك تبوير 500 فدان من أجود الأراضي الزراعية بها . إنشاء مصر الجديدة تجربة ناجحة لم نستفد منها وهنا نتساءل: أين هي الدولة وماهو دورمتخذ القرار؟ نحن كاستشاريين نقترح الحلول المثلي من منظور قومي ولكن متخذ القرار يلزمنا بغير ذلك ومن ذلك أمثلة عديدة وحدث ولاحرج! معني ذلك أن المكاتب الاستشارية ليس لها مطلق الحرية للارتقاء بالعمران في البلاد؟ - بالفعل.. فالمكاتب جميعها تعمل وفقا لرؤية وسياسة الوزارة ولا تحيد عنها ومن هنا نجد أنها تتمتع بحرية محدودة في الحركة نظرا للشروط المرجعية الواجب الالتزام بها، ومن مشاكل ذلك أن كراسة الشروط للوزارة تغفل عن بعض الجوانب الهامة مثل أهمية دعم النقل العام علي حساب النقل الخاص في المخططات الاستراتيجية وكذلك مراعاة الأبعاد البيئية في المشروعات المختلفة وأيضا إيجاد منظومة للهندسة القيمية والتي تهدف لحسن استغلال الموارد المتاحة وغيرها من الموضوعات التي تغفل عنها وتري المكاتب الاستشارية أهميتها للتنمية العمرانية. ولماذا لاتعدل وزارة الإسكان تلك الشروط المرجعية؟ - لأنها في هذه الحالة لن تستطيع الوفاء باحتياجات هذه المكاتب الاستشارية لأن ذلك سيؤثر علي أتعابها بالزيادة والقانون الحاكم لنا هو قانون المناقصات الذي يدعم فكرة البقاء للأرخص وليس الأفضل .ومطلوب أن يحترم الفكر العمراني والا يقدر بأرخص الأسعار لأن ذلك يؤدي لمشاكل جمة في التخطيط ومن الضروري الاهتمام بأن يكون لهذا الفكر قيمة مادية وليس فقط الأتعاب المادية للمكاتب . لكن ماهو مصير المخططات الاستراتيجية للقري والمدن التي تقوم بإعدادها هذه المكاتب؟ - لقد تم إعداد مخططات للعديد من القري، واتضح في النهاية أن الدولة كانت تصبو نحو زيادة الحيز العمراني للقري فقط دون تنفيذ برامج تنموية طبقا لهذه المخططات التي مصيرها الأدراج والأرفف، وهذا في حد ذاته مصيبة كبري وكارثة قومية حيث إن الدولة تكافئ المخطئ، فمن بني بالمخالفة للقوانين وأمر الحاكم العسكري علي الارض الزراعية، أثناء الانتخابات قامت الحكومة بمد المرافق والخدمات له في حين أنه طبقا للقانون فإن قرار إزالتهم هو الواجب! ولكن الدولة كافأت هؤلاء وأدخلتهم في الحيز العمراني، أي أعطت لهم الصفة الشرعية، فأصبحت الأراضي الزراعية التي تم تبويرها، قيمتها بالملايين بعد أن كانت بالملاليم .هذا في الوقت الذي لا توفر أدني مخططات أو برامج لتنمية الظهير الصحراوي لتلك القري التي تمثل أمل التنمية في مصر، لذلك نجد أن الدولة بذلك تعطي رسالة لأفراد المجتمع تحفزهم وتشجعهم فيها علي تبوير الأرض الزراعية والتنمية عليها دون مراعاة لمستقبل العمران في مصر. أما فيما يخص المدن ..فقد كان الهدف من هذه المخططات الاستراتيجية أيضا هو زيادة الحيز العمراني لتلك المدن إلي جانب اقتراح بعض المشروعات والخطط التنموية بمشاركة المجتمع المحلي ولكن إلي الآن لم تظهر نتائج تلك المخططات لحيز الوجود، اللهم الا زيادة الأحوزة العمرانية لتلك المدن . إقامة المدن الجديدة حول القاهرة..هل كان في صالحها أم ضدها؟ - عند التفكير في إنشاء تلك المدن، تم اللجوء للخبرة الاجنبية للاسترشاد بها وهي خبرة غريبة عن أرضنا وعن طبيعة مجتمعنا ..في حين أننا نملك في مصر تجربة ناجحة من أفضل تجارب المدن الجديدة في البلاد وهي إنشاء حي هليوبوليس (مصر الجديدة) عام 1905م في الصحراء وكانت تجربة ناجحة بجميع المقاييس لم نستفد منها البتة ولم ندرسها وأنشأنا مدنا جديدة علي النقيض مع التجربة السابقة . لاتوجد منظومة لتقييم تجربة المدن الجديدة وبالتالي لايمكن تقويمها وبناء علي ذلك.. فقد أضرت تلك المدن بالقاهرة وزادت من أحمالها المرورية والخدمية عليها ولم تعمل علي حل مشاكلها كما ينبغي، فالمليارات من الاستثمارات في المدن الجديدة كان يمكن أن يحسن استغلالها وتوظيفها بأسلوب أفضل لو كنا نملك منظومة رصد وتسجيل لتلك التجربة بشفافية ونزاهة ومن ثم يمكن تقييمها وتقويمها ولكننا في مصر نعمل في جزر منفصلة دون وجود أي منظومة لتقييم ما تم تنفيذه ومن ثم لن يكون هناك تقويم ولن تتحسن أوضاعنا . وماذا عن رغبة الدولة في تفريغ العاصمة من الوزارات في وسط القاهرة ؟ - حين فكرت وزارة الإسكان في تفريغ القاهرة من الوزارات ونقلها إلي المدن الجديدة، فقد أغفلت دراسة فشل نقلها في السابق إلي مجمع الوزارات بمدينة السادات، فهذا المشروع استثمر في إنشائه الملايين من الجنيهات ولم يتم الاستفادة منه البته إلا بعد سنوات من بنائه حيث تستغله جامعة المنوفية حاليا مع الأخذ في الاعتبار أن التصميم المعماري للمنشآت الإدارية ( الوزارات ) يختلف اختلافا جذريا عن التصميم الخاص بالمنشآت التعليمية، أي أن هناك إهدارا للمال العام . من ناحية أخري نجد أن الدولة وهي في سبيلها للحد من تردد المتعاملين علي الوزارات المركزية بوسط القاهرة وتخفيفا علي أحمال النقل والمواصلات بها كان من الأجدي لها أن تفعل الحكومة الالكترونية من خلال قيام الوزارات الخدمية بها بفتح منافذ لها في جميع المدن والقري الكبري علي مستوي مصر مع ربطها بشبكة الانترنت، بحيث تتم جميع المعاملات للمترددين من الجمهور من خلال تلك النوافذ في مدنهم او قراهم دون الحاجة لمضيعة الوقت في التردد علي القاهرة . وكان مرشحا أن يتم ذلك من خلال جميع أقسام الشرطة ومكاتب البريد التي تم تطويرها بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة حيث يكون بها شبابيك تمثل تلك الوزارات الخدمية بالقاهرة، وإذا ما تم تطبيق الحكومة الالكترونية، فلن تكون هناك حاجة لنقل الوزارات لعدم وجود مترددين عليها . ما رأيكم في تبني وزير الاسكان لفكر التخطيط لإقامة مستوطنات بشرية في سواحل مصر؟ - فيما يخص توجه وزير الإسكان الدكتور طارق وفيق نحو تنمية الساحل الشمالي والغربي ..فإن المشكلة ليست في التخطيط العمراني ولكن أساسا في إدراة تنمية تلك المجتمعات العمرانية الجديدة، فإذا ما تمت بالفكر التقليدي الحكومي العقيم، فلن تكون هناك تنمية، ولكن إذا تبنت فكر القطاع الخاص، فإن هناك أملا في وجود تجمعات عمرانية جديدة وعلي الدولة أولاً دراسة أسباب قصور مشروعاتها السابقة في المدن الجديدة سواء الساحلية أو غيرها في أداء وظائفها وفي تحقيق اهدافها و إيجاد توازن مابين معدلات الاستيطان البشري والخدمي وفرص العمل بها . هل تستطيع وزارة الأوقاف أن تحل أزمة إسكان محدودي الدخل؟ - مشروعات الإسكان لذوي الدخل المحدود والتي تقوم بها الدولة سواء الإسكان أو الأوقاف، نجد أنها تهدف أساسا إلي إنشاء عمران وليس إنشاء إنسان مصري ..فالدولة تعمل علي إيجاد استثمارات لتخطيط وانشاء وحدات سكنية فقط، دون النظر إلي مرافق وخدمات تتوافق مع احتياجات المجتمع وأن يتم تشغيلهم معا .فللاسف الدولة تقيم إسكانها لذوي الدخل المحدود في أسوأ المناطق بعيدا عن فرص العمل ووسائل النقل والمواصلات وفي أرخص الأراض قيمة ..فيكون نتيجة ذلك إنشاء وحدات سكنية دون سكني لتلك الشقق ودون توفير سبل الحياة الكريمة للمواطنين والذين غالبا ما يهجرون تلك المناطق إلي غيرها أكثرعشوائية ولكن قريبة من فرص العمل والخدمات . من ناحية أخري فإن مشاريع الإسكان يجب أن تتوازي مع مشروعات الارتقاء بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المحلي، فبدونهما ستتحول تلك المشروعات السكنية الجديدة إلي عشوائيات لافتقادها برامج الصيانة ولبعدها عن المرافق والخدمات .