تشكيل يقوم بسرقة المحلات بالإكراه انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة التشكيلات العصابية ، ويومياً تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بأخبار عن ضبط تشكيل عصابي تخصصه السرقة بالإكراه وآخر لسرقة السيارات وثالث للخطف ، لدرجة أن هذه التشكيلات تجرأت علي محاولة اعتراض موكب د. هشام قنديل رئيس الوزراء، لكن في النهاية غرض هذه التشكيلات مهما اختلف تصنيفها فهي جميعا مخالفة للقانون، فتحولت من ممارسة عملها الإجرامي في الخفاء وليلاً إلي ممارسته في وضح النهار وأمام الجميع ، فهذا الأمر يحتاج إلي ردع قوي من رجال الشرطة .. نعرض في هذا الموضوع المقصود بالتشكيل العصابي وتصنيفاته وأسباب انتشاره وكيفية مواجهته . يعرف اللواء محمود فاروق (مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن الجيزة) التشكيل العصابي قائلاً : يضم مجموعة من الأشخاص يرتكبون الجريمة الجنائية ويجمعهم ارتكاب واقعة يعاقب عليها القانون جنائياً مثل السرقة بالإكراه والخطف والنشل ، يقوم التشكيل المتخصص في النشل بتقسيم الواقعة لعدة أدوار بحيث يكون لكل فرد دور، وأخطر التشكيلات العصابية التي تكون حريصة علي عدم ضبطها هو التشكيل الأسري ، وهذا النوع من التشكيلات يكون أكثر صعوبة لضبطه وتتم عملية الضبط بعد تحريات دقيقة وسرية. ويشير فاروق إلي أن المباحث تعتمد علي مصادرها السرية لجمع المعلومات عن أفراد التشكيلات العصابية ، كما توجد متابعة شهرية للمسجلين خطر حيث يتم عمل تحريات وتقارير شهرية عنهم وتراقب تحركاتهم وجميع وحدات المباحث لديها ملفات المسجلين لمتابعتهم ، كما نقوم بتجنيد مصادر سرية في عدة أماكن منها محلات الصاغة وورش السيارات والأسواق التجارية لإمدادنا بكل معلومة نحتاجها ، وهناك ظاهرة إجرامية أصبحت أكثر انتشاراً بعد ثورة يناير2011م وهي ظاهرة "حلوان" كما نطلق عليها في لغة الشرطة وهي تعني "الحلاوة" في العامية هذه الظاهرة تتمثل في قيام تشكيل عصابي بسرقة سيارة أحد الأشخاص فيقوم التشكيل بالاتصال بأحد الأرقام التليفونية الموجودة بالسيارة سواء كانت كروتا أو مكتوبة علي تابلوه السيارة فيتضح أن صاحب الرقم أحد أصدقاء المجني عليه أو صاحب ورشة سيارات ..إلخ فيخبرونه بأن السيارة معهم ويريدون مبلغا ماليا لإعادتها فيقوم بالاتصال بصاحب السيارة ويخبره بما حدث ويطلب منه الحلاوة فيوافق صاحب السيارة ويدفع الأموال المطلوبة ثم يقوم مجموعة أخري غير الذين سرقوا السيارة بإعادتها سواء بتسليمها له أو بوضعها في مكان ما ويخبرونه به. وعن فكرة تكوين التشكيلات العصابية يقول اللواء إبراهيم صابر (وكيل الإدارة العامة للمباحث الجنائية للمنطقة المركزية والوجه القبلي ) : تنشأ من أن مجموعة من الأشخاص تراودهم فكرة قطع طريق علي سيارة لسرقتها في حالة نجاحهم في تنفيذ مخططهم وعدم ضبطهم وتحسن مستواهم المادي نتيجة متحصلات هذه السرقات، وهذا يشجع آخرين للانضمام إليهم ، ثم تأتي المرحلة الثانية التي تتواكب مع زيادة عدد أفراد التشكيل وانتمائهم لأكثر من عائلة لتتكون عند هذه المرحلة عقيدة عدم الإبلاغ عنهم خشية سطوتهم والانتقام ممن قد يساعد رجال الشرطة أو الإدارة في ضبطهم ، وبعد أحداث يناير 2011م وما شهدته البلاد من تهريب وتوافر أعداد رهيبة من الأسلحة المختلفة وانخفاض أسعارها نتيجة توافرها حيث أصبحت هذه الأسلحة في متناول أي عاطل مؤهل إجرامياً لإرتكاب الأنشطة الإجرامية بمختلف أنواعها. ويضيف اللواء صابر: من العوامل المهمة التي ساعدت علي انتشار ظاهرة التشكيلات العصابية ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل لدرجة أن بلاداً كثيرة لم تكن تعرف معني الجريمة أصبحت تئن تحت سطوتها وعلي سبيل المثال قري وبلاد محافظة الأقصر التي كانت تعتمد علي السياحة كمصدر رئيسي لكسب الرزق هناك منذ أن قلت نسبة الإقبال السياحي، مشيراً إلي أن استخدام التكنولوجيا الحديثة طور من شكل الجريمة فهناك كثير من المجرمين يستخدمون الهواتف المحمولة في الاتصال ببعضهم وبالمواطن الضحية عند سرقة سيارته علي سبيل المثال لكن الصعوبة تكمن بعد تحديد أرقام تليفوناتهم في عدم وجود بيانات للخطوط التي يستخدمونها لذلك نناشد شركات المحمول بضرورة أخذ بيانات المشتركين بها والتأكد من صحتها بالإضافة إلي أخذ تعهد عليه بعدم استخدام الخط في أي عمل إجرامي ..إلخ. أما بالنسبة لتعامل الشرطة مع هذه التشكيلات والظواهر الإجرامية يشير اللواء صابر إلي أن إمكانيات الشرطة أصبحت محدودة تماماً بعد انهيار الداخلية في المقابل تضاعفت أعباء مواجهة الجريمة وانصرفت جهود الشرطة إلي مواجهات ليست من اختصاصها مثل قطع الطرق والاعتصامات والمظاهرات الفئوية وهذه الأمور لا يستطيع أي جهاز أمني في أي دولة مواجهتها في وقت واحد أياً كانت إمكانياته ويري وكيل مباحث وزارة الداخلية أن القضاء علي ظاهرة التشكيلات العصابية يحتاج أولاً إلي سن تشريعات وقوانين حتي لو كانت مؤقتة في هذه الفترة لحماية تحركات الشرطة وتغليظ العقوبة علي حائزي الأسلحة ومرتكبي جرائم السرقة بالإكراه والقتل وتخصيص دوائر قضائية لسرعة البت في القضايا بحيث لا يخلي سبيل المتهم من الحبس الإحتياطي إلا بعد مثوله أمام المحكمة والحكم عليه في مدة لا تتجاوز 15يوما، ولا ننسي دور الأهالي والمتعاونين في الوقوف مع الشرطة وأن تقوم باقي أجهزة الدولة بدورها في إيجاد فرص عمل للشباب، بالإضافة إلي تقديم تعويضات تساعد الذين توقفت مصادر رزقهم وأغلقت محلاتهم ومصانعهم علي مجابهة أعباء الحياة حتي يمكن منع هذه الظواهر الإجرامية تماماً وردع من تسول له نفسه أن يرتكبها . يؤكد اللواء جمال عبدالعال (مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة) علي أن الأمن موجود بالشارع وعاد بنسبة كبيرة ، لكن هذا لا يمنع وقوع الجريمة نهائياً فالجريمة باقية لكن الضبط مستمر ، وأكثر ما نواجهه من صعوبات في ضبط المجرمين هو دخول عناصر جديدة لا تتوافر عنهم معلومات جنائية سابقة ، والدليل علي عودة الأمن إلي الشارع بنسبة كبيرة أن مباحث القاهرة ضبطت الأسبوع الماضي تشكيلا عصابيا تخصص في سرقة الصيدليات تحت تهديد السلاح بمدينة نصر والغريب أن زعيم التشكيل جورجي الجنسية وليس مصريا ومهنته مخرج سينمائي فإذا لم يكن هناك تكثيف للحملات والمرور المفاجئ بالشوارع فلن يتم ضبطه فعملية ضبط هذا التشكيل لم تكن سهلة وسبقها تحريات قوية من ضباط المباحث وبذلوا فيها مجهودا كبيرا. وينصح عبدالعال المواطنين باستخدام التكنولوجيا الحديثة في التأمين ، حيث يفضل وضع جهاز إنذار بالسيارة ووضع كاميرات مراقبة بالمحلات والصيدليات والأماكن التجارية ..إلخ لضبط أي جان أو متهم لأن الاعتماد علي العنصر البشري لم يعد كافياً في ظل التطور التكنولوجي الذي نعيشه حسب قوله ، مطالباً بإصدار تشريعات تلزم أصحاب المحلات والمولات بوضع كاميرات مراقبة داخل المكان قبل منحه الترخيص ، مشيراً إلي أن وزارة الداخلية وافقت علي وضع كاميرات بشوارع القاهرة لتحديد وضبط مرتكبي الجرائم عن طريقها . يقول اللواء مجدي البسيوني (الخبير الأمني ومدير أمن الجيزة الأسبق) كان العنصر الإجرامي معروفا للشرطة بأسلوبه ونشاطه وتحركاته وكافة المعلومات الجنائية المسجلة عنه ، ومن هنا كان من المتيسر علي الشرطة أن تتابع وتراقب تحركات تلك العناصر خاصة عندما يكونوا مسجلين جنائياً "أشقياء خطرين" وكان اللوم يقع علي عاتق الشرطة إذا لم تتوصل في الجرائم المجهولة إلي مرتكبيها علي سند من القول إن العناصر الإجرامية معروفة للشرطة معرفة تامة أما في وقتنا المعاصر فإن الساحة تشهد تماماً بعد ثورة 25يناير2011م أن الأمور تغيرت تماماً من حيث انتشار الأسلحة بكافة أنواعها وخاصة السلاح الآلي. يضيف البسيوني : كما إنه لا يزال هناك مسجونون هاربون لم يتم ضبطهم فما أصاب الشرطة من انهيار متعمد منذ ثورة يناير أصابها بالضعف بل والانشقاق فيما بين عناصرها سواء من ناحية الضباط أو الأفراد لذلك أصبح المناخ مهيأ تماماً لظهور أشخاص لم يكن لهم أي نشاط إجرامي من قبل لارتكاب سرقات بالإكراه وسطو بالطرق العامة ليلاً ونهاراً مستخدمين الأسلحة الآلية وقد وجدوا أن حصيلة هذا النشاط الإجرامي مربحة للغاية فقد تصل إلي ملايين الجنيهات، فظهرت جرائم الخطف وسرقة السيارات والسطو علي سيارات البنوك والشركات ناهيك عن السطو علي الصيدليات ومحطات الوقود ومكاتب البريد وهذه العناصر غير معروفة علي الإطلاق ونجد من بينها موظفين وطلبة أو أجانب، ولابد أن نعلم أن الشرطة أصبحت مجهدة لتأمين التظاهرات والاحتجاجات وقطع الطرق والمواصلات وهو ما يشكل عبئا ثقيلا عليها يبعدها عن مواجهة الجريمة .. ويوضح البسيوني أن الأوضاع السياسية غير المستقرة ساهمت بدرجة كبيرة في انتشار الجرائم في الشارع المصري في الفترة الأخيرة.. وأصبح من السهل تكوين تشكيل عصابي غير معروف للشرطة.