بعدما توافقت القوي السياسية علي إبعاد المؤسسة العسكرية عن العمل السياسي بعد قرارات أغسطس 2102 الشهيرة بإقالة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وتمكين الحكم المدني في ترسيخ أقدامه واتجاه الجيش كمؤسسة لإعادة ترميم ما حدث خلال المرحلة الانتقالية من شروخ بدت محدودة داخله وأكبر في علاقاته مع المجتمع. بدأت الأصوات تتعالي في الفترة الأخيرة من أجل استدعاء الجيش مرة أخري للحياة السياسية، دون إدراك لخطورة هذا المطلب من ناحية وتأثيراته المحتملة علي الجيش كمؤسسة وطنية وسط حالة الاحتقان التي تشهدها البيئة السياسية حاليًا من ناحية أخري. فالقوي المدنية التي نادت" يا حرية فينك.. فينك، الجيش بينا وبينك " و" يسقط حكم العسكر" وجدنا بعضها يطالب بعودة الجيش للشارع من جديد لعزل الرئيس مرسي إضافة إلي انتشار ظاهرة تحرير توكيلات للفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد فيما يعد تكراراً لتوكيلات الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعي قبل أشهر من سقوط مبارك وانتهاء بتنظيم "متظاهري المنصة، وائتلاف العسكريين المتقاعدين، وحركة الأغلبية الصامتة" بالإضافة لتيار الاستقلال الذي يضم نحو 03 حزباً سياسياً، مليونية أمام النصب التذكاري بمدينة نصر يوم الجمعة الماضية بعنوان "الجيش في قلوبنا" لدعم القوات المسلحة ورددوا هتافات "واحد اتنين الجيش المصري فين" إلا أن تلك المليونية لم يشارك فيها سوي عشرات من المتظاهرين وشهدت غياب القيادات التي دعت لها باستثناء مشاركة مصطفي بكري. وأصدر تحالف شباب الثورة والقوي الشعبية بياناً يطالب بتدخل الجيش لإقصاء النظام الحالي، وأكدوا أنهم سيدخلون في اعتصام مفتوح أمام المنصة حتي إسقاط النظام، كما قرروا دعوة الشعب إلي تحرير توكيلات للجيش حتي يتدخل لإقصاء النظام وحفظ الأمن القومي. وانتشرت في شوارع بورسعيد لافتات تطالب الجيش بالتدخل والسيطرة علي الحكم رافعة شعار »تعلمنا الدرس« كما وصلت حملة »توكيلات الجيش« لإدارة البلاد إلي الدقهلية ودمياط؛ حيث سعي مواطنون لتوثيق التوكيلات رغم رفض مكاتب الشهر العقاري. واختفي التوافق السياسي فجأة علي إبعاد الجيش عن الصراعات السياسية، وسعي البعض لإقحامه مجدداً بالشأن السياسي مسعي لا يمكن تبريره إلا كنوع من تصفية الحسابات واعتبر الكثيرون تصريحات الفريق صبحي صالح رئيس الأركان حول إمكانية عودة الجيش للشارع، إذا ما احتاجه المصريون في ثانية، تحمل غضباً من حالة الاحتقان السياسي ورغبة بالعودة للسلطة ومن ثم بدا أن هناك عمليات تحريض واستدعاء للجيش، سواء بإطلاق شائعات عن نية الرئيس إقالة وزير الدفاع . إلا أن الرئيس محمد مرسي في جلسة الحوار الوطني أكد إنه لا يوجد أي نوع من الاختلاف بين الرئاسة ومكونات الدولة المصرية وتحديداً الداخلية والجيش لكونها جميعا مؤسسات متوافقة علي أهمية التعاون للخروج من الأزمة الحالية. فيما حذر الدكتور محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط، من استدعاء الجيش للتدخل في الصراعات السياسية منتقدا أصحاب تلك الدعاوي من السياسيين مشيرا إلي أنه لا يجوز تدخل الجيش في السياسة وصراعاتها، وإلا اكتوي بنارها. وتناول محسوب الدعاوي التي انطلقت مؤخرا مطالبة بعودة الجيش للشارع، قائلا: ساسة يعتبرون أنفسهم قامات كبيرة يحاولون الزج بالجيش في صراعهم مع خصومهم السياسيين ويعتبرون أن خلافهم مع فصيل هو قضية حياة أو موت وأن كل شيء مباح في هذا الصراع حتي لو كان تهديدا لواحدة من ركائز الدولة المصرية الحديثة أو إلغاء أهم مكتسب حققته الثورة المصرية وهو إعادة رسم معادلة السياسة بحيث ينأي الجيش بنفسه عنها ويصبح حاميا للدولة وليس طرفا في صراعات الساسة.. فيما رفض عدد من الأحزاب فكرة تدخل الجيش في الشأن السياسي في الوقت الحالي فحزب مصر الحرية عبر عن رفضه استدعاء الجيش للمشهد السياسي بوصفه انقلابًا. وقال رئيسه الدكتور عمرو حمزاوي في بيان رسمي للحزب " أتبرأ من استدعاء الجيش للسياسة باسم معارضة تريد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ". كما فرق الحزب بين معارضته للرئاسة بوصفه إحدي القوي المشاركة بجبهة الإنقاذ، ودعوات البعض الانقلاب علي آليات الديمقراطية، التي أكد أنه يسعي لتعديل قواعدها وليس الانقلاب عليها. ومن جانبه اعتبر الدكتور أحمد أبو بركة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين المطالبة بعودة الجييش مرة أخري بأنه نوع من الانتحار السياسي ووصف الدعوة لمليونية نزول الجيش بعلامة إفلاس سياسي ووصف تفكير مؤيديها بأنه خيالي فتارة يدعون للتظاهر ضد أخونة الجيش عند الاتحادية وأخري للتضامن مع الجيش عند النصب التذكاري ضد الرئاسة. وأشار أبو بركة إلي أن القوي السياسية أصيبت بجهل وعمي سياسي وهذه "مسخرة سياسية" حسب وصفه، تعكس عدم الإيمان بالديمقراطية وسيادة الشعب ومحاولة إنتاج استبداد أسوأ علي المجتمع من استبداد مبارك.. وأشار الي أنها تعتبر محاولات ممنهجة لتشويه صورة الجيش بل هناك محاولات للإيقاع بين الجيش والمؤسسة الرئاسية وأكد أن الإخوان المسلمين يعتزون بالجيش وشاركوا في معاركه وأدركوا تماما عظمة المؤسسة العسكرية وليس في ذهن أي إخواني إهانة للجيش.